د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الرفاق الماركسيون والزمن الأغبر!! (1)
ليس الغرض من كتابتي هذه استحضار الماضي التعيس لما حدث في الجنوب منذ الاستقلال حتى اليوم .. وليس حملة دعائية لنبش الماضي الأليم أو التحريض وإثارة الفتن والأحقاد والثارات ونكأ جراحات الماضي من جديد ..وما نقصده ليس بكائيات على جدران الوطن بل الترحم على أرواح من استشهدوا من أبنائه فهم في رحاب الله ..
انه سرد مؤلم لوجع السنين العجاف من حكم الرفاق والتي كانت أشد قسوة من سنين فرعون.. وأحداث تاريخية دموية حدثت في السنوات العجاف والليالي السود من حكم الرفاق دفع فيها شعب الجنوب فاتورة باهظة من دماء وأرواح أبنائه . والهدف من ذلك كله ليس صرخة انتقام أو تأليب أولياء الدم على جلاديهم بل هو استخلاص العبر والعظات من كل ما مر ببلادنا من تجارب مريرة ومآسي مزلزلة أدخل فيه الرفاق شعبنا هذا النفق الضيق المظلم ولازال يعاني للخروج من سراديبه وما جلبت عليه مراهقا تهم الفكرية من حروب وموجات غزو واحتلال منذ العام 1967م وحتى العام 1994م و2015م ولا زالت شرارة الحرب مشتعلة حتى اليوم وكان حصادها ولا زال المرارة والألم وسقوط آلاف الأنفس من خيرة رجال الجنوب !!
مناجاة إلى عدن :
عدن يا درة المدن.. يا قيثارة الأحلام.. يا ربة الجمال.. وقبلة العشاق.. وصوت الشجن .. ولحن الوتر.. فيك تغنى الشعراء.. واليك رحل الفن واستقر ولم يرحل.. عدن التي من شرفاتك تتدلى عقود الفل وأطواق الياسمين.. ومن نوافذك تتسلل رائحة البخور.. ومن قناديلك ينبثق الضوء.. ومن ضحكات أطفالك يشرق الأمل وتتفتح الأزهار.. عدن يا مهد الحضارات والفنون.. يا ربة المجد ورفيقة الملكات.. إليك طارت ملكة بريطانيا واختارتك دون سائر المدن.. وقضت فيك أجمل أيامها وذكرياتها.. عشقتك دون كل مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس.. اختارتك لتكوني شاهدة على حبها لك.. وشاهدة على من تحب.. قضت في ربوعك أجمل الذكريات في التواهي متنقلة بين الشاطئ والجبل.. قضت فيك شهر العسل الذي تتمناه كل أنثى مع من تحب.. هكذا أنت يا عدن مدينة للحب والسلام تحتضنين الملكات والملوك والغرباء وتأوين كل مكروب.. لا تعرفين الحقد ولا الكراهية .. هادئة وادعة تستقبلين كل أجناس وأطياف وألوان وأديان ومذاهب كل البشر.. كنت مرفأ سلام تبحر إليه وتقلع منه كل السفن تحمل البضائع من أرجاء العالم ... وتأوي إليك كل الطيور والحمائم والنسور..ثم تقلع وتعود شوقا إليك!!
كنت قبلة التجار والمغامرين والحالمين.. والطامحين..والعشاق والسياح من الغرب إلى الشرق ، وعندما كانوا يعبرون قارات العالم من أمريكا إلى استراليا كنت سوقهم الأول يشترون منك أنفس البضائع وأجودها وأقلها سعرا !!
.كنت منارة الفن والطرب ..ويرحل إليك الفنانون والمبدعون، أحيا فيك الموسيقار فريد الأطرش أجمل الحفلات، وسكب لك أعذب الألحان.. وغنى لك وحدك أبو بكر سالم بلفقيه : "ياطايره طيري على بندر عدن" وغنى لك ولبريدك: محمد سعد عبد الله: "صباح الخير من بدري".. وأحمد قاسم، ومحمد مرشد ناجي، وفيصل علوي والكثيرون.. افتتنوا بجمالك ودلالك، وصاغ لك الشعراء والأدباء.. قلائد الشعر مرصعة بالنجوم والأحلام.. عدن كنت درة مدن الجزيرة العربية والخليج .
ويوم خرج المستعمرون.. باعوك رخيصة في سوق النخاسة، تآمروا عليك وأنت فرحة بعرسك.. واستقلالك.. البحر يغسل شواطئك وأمواجه تتراقص تحت أقدامك..وجبالك تعانق السحاب بهاء وفخرا، نعمة صاغها الخالق لك وحدك، وتنسكب منها شلالات الصهاريج لتزيدك حسنا وجمالا، وذات يوم في أواخر الخريف وأنت تستقبلين الشتاء وأنت لا تعلمين أن الصفقة قد تمت.. وأن قوم من أبناء وطنك اختطفوك.. ومعك كل الجنوب.. وطاردوا أحرارك ،وفرسانك، وعلمائك، وشرفائك.. واستولوا على كل تاريخك وارثك الحضاري ودمروه لأنهم جهلة لا يعرفون قيمته !!
استولوا على مقاليد الأمور فوق ترابك.. ثم دمروك بصراعاتهم وهمجيتهم وهم يتنازعون الحكم عليك!! غدر بك من أدعوا كذبا وزورا أنهم أبناؤك.. وتركوك تبكين أيامك الماضية.. حتى امتلأت صهاريجك دموعا وجدرانك رصاصا وبارودا.. وسالت دماء الأبرياء من أبنائك في الشوارع أنهارا.. وكلما أقبل الشتاء تبكين.. وتتألمين.. دموعك حبات المطر.. ونحيبك صوت الرعد.. وكلما عادت الذكرى تبكين.. حتى طال بكاؤك يا عدن..!!
لقد رحل عنك أحبابك وأنت تعلمين أنهم فارقوك قهرا وقسرا وتركوك وحدك تبكينهم.. وتبكين نفسك.. وكلما هطل المطر غزيرا في شتائك الحالم الجميل لم يغسل أحزانك.. ولم ولن يغسل أحزاننا على فراقك..!!
د. علوي عمر بن فريد