سالم الكتبي يكتب:
عندما يتحدث عباس باسم الفلسطينيين
يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعتمد على “ثقافة سمعية” لم توفر له معلومات دقيقة حول إعلان الإمارات إقامة علاقات مع إسرائيل، وهذا ما يفسر اندفاعه للقول إنه ليس من حق الإمارات أو أي دولة أخرى أن تتحدث باسم الشعب الفلسطيني، وهذا صحيح تماما ولكن الإشكالية تبقى في كذب من أبلغك أن الإمارات قد تحدثت أو تتحدث باسم الفلسطينيين، الذين لا ينقصهم متحدثون إضافيون باسمهم. الكل يدري أن الساحة الفلسطينية تعج بالمتحدثين باسم الشعب الفلسطيني، ابتداء من الرئيس عباس ذاته، إلى قائمة طويلة من صغار قادة الفصائل والحركات والتنظيمات والميليشيات، مرورا بالمئات من الشخصيات وكبار المفاوضين والممثلين وغير ذلك.
لم تستخدم الإمارات أيضا القضية الفلسطينية ذريعة لإقامة علاقات ثنائية مع إسرائيل، لأن الأمر لا يحتاج إلى ذرائع فأنتم وسلطتكم تقيمون علاقات رسمية مع إسرائيل، والأمر لا يحتاج إلى ذرائع في ظل وجود سوابق سياسية عربية تجعل من ترجمة مبدأ “السلام خيار إستراتيجي عربي” مسألة لا تتطلب الحجج ولا الذرائع.
يعلم عباس ورفاقه أن العرب يقاطعون إسرائيل منذ نكبة عام 1948، وأن هذه المقاطعة لم تغير في أمر القضية الفلسطينية شيئا، ويعلم كذلك أن قرار الإمارات إقامة علاقات مع إسرائيل شأن سيادي إماراتي لا علاقة له بالحقوق الفلسطينية تمسكا أو تفريطا!
لم تقل الإمارات مطلقا يا سيد عباس إن أبوظبي هي العنوان الصحيح للتفاوض على القضية الفلسطينية، بل حرصت على التأكيد على أن السلام مرهون بالمفاوضات المباشرة والشروط التي يحددها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي فمن أين جئتم بهذا الحديث؟
الحقيقة أن بعض تعليقات وتصريحات المسؤولين الفلسطينيين هي العبث بعينه، ومن ذلك أن أحدهم يقول “كفى استخداما لفلسطين لأن فلسطين بحاجة إلى من يخدمها، لا من يستمر باستخدامها، كفى فعلا كفى”. وأقول له لقد صدقت بالفعل ولكن عليك أن توجه خطابك لرفاق الكفاح والدرب من الفلسطينيين، وأيضا لمن يرفعون شعارات القضية ويزعمون الدفاع عنها في إيران وجنوب لبنان والدوحة وأنقرة، فالإمارات لم ولن تستخدم فلسطين للحصول على مكاسب سياسية.
وقد أشار البيان الأميركي – الإسرائيلي – الإماراتي المشترك إلى أن دبلوماسية الإمارات كان لها الفضل في وقف الضم، ولو بشكل مؤقت فلم يشر طرف إماراتي إلى أن القرار الإسرائيلي تم التراجع عنه مثلا. ونشير هنا إلى البيان الرسمي الأميركي في هذا الشأن “نتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي وبناء على طلب الرئيس ترامب وبدعم من دولة الإمارات، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراض فلسطينية وفقا لخطة ترامب للسلام، وتركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي”.
ماذا فعل جيش المفاوضين الفلسطينيين طيلة مسيرة القضية سوى المزيد من المماطلة من دون أي تفكير في حلول واقعية بديلة في وقت كانت إسرائيل تمضي فيه قدما لمحاولة تصفية القضية
الكثيرون يعلمون أن القادة الفلسطينيين هم أكثر الأطراف التي أضرت بالقضية، ومن يتهم الإمارات الآن بما يسميه بالهرولة نحو التطبيع يتناسى بنود “اتفاق أوسلو”عام 1993، وسنوات طويلة من المفاوضات الفاشلة التي قادها الرئيس عباس نفسه.
كما يتناسى أيضا أن هؤلاء أنفسهم هم من سبق لهم اتهام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالخيانة والتفريط والتخلي عن الفلسطينيين والقضية الفلسطينية حين وقع معاهدة السلام مع إسرائيل في سبعينات القرن الماضي، ثم وقعوا من بعده اتفاق أوسلو!
ثم أين هذه القضية ومشروع الدولة الفلسطينية، وهؤلاء القادة غير قادرين على لم الشمل الفلسطيني طيلة سنوات طويلة مضت، وغرقوا في صراعات وحروب كلامية ومصالح شخصية وتنافس على زعامات فارغة، وتركوا القضية والشعب لمصير مجهول؟
ثم ماذا فعل جيش المفاوضين الفلسطينيين وكبيرهم، طيلة مسيرة القضية سوى المزيد والمزيد من المماطلة والإخفاقات، من دون أي تفكير في حلول واقعية بديلة، في وقت كانت إسرائيل تمضي فيه قدما لمحاولة تصفية القضية فعليا بالإعلان عن ضم القدس الشرقية، وإنهاء أعمال وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين؟
وأخيرا، قناعتي أن القادة الفلسطينيين قد وجدوا أخيرا في الإعلان عن اتفاق سلام إماراتي إسرائيلي ضالتهم المنشودة، حيث يحاولون إلقاء كل الإخفاقات والانهيارات التي ألحقوها بالقضية والوضع الفلسطيني على عاتق الإمارات وغيرها من الدول العربية التي تسعى لإيجاد واقع جيوإستراتيجي إقليمي جديد بما يناسب حقائق الواقع العربي، والتحديات التي يواجهها من المشروعات التوسعية التي تتبناها أنظمة الهيمنة الإقليمية الجديدة في إيران وتركيا.
ولكن التاريخ لن ينسى للقادة الفلسطينيين مراوغاتهم وهروبهم للأمام من استحقاقات القضية والسعي لإثارة الضجيج حول جهد إماراتي مخلص يسعى لإيجاد بارقة أمل في نهاية نفق مظلم يعيش فيه الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره.