فهد ديباجي يكتب:
سياسة ليبيا بين الحل والتقسيم
تعيش مناطق سيطرة حكومة الوفاق في ليبيا أوضاعا داخلية مأساوية وترد في كل المجالات، مما فجر موجة من المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح وتحسين الأوضاع، ويردد المتظاهرون شعارات وهتافات مطالبة بطرد المرتزقة ووقف تمويلهم وإيقاف التدخلات التركية والقطرية في شؤون بلادهم، وهو ما يُنذر بتغير الكثير من المواقف والسياسات الحكومية في طرابلس، لاسيما و أن المدنيين هم من يواصلون دفع الثمن الأغلى مع تصاعد وتيرة العنف وانتشار رؤوس المافيا والعصابات والمليشيات التي تُرسخ الانقسام والتقسيم وتقف ضد الحل السلمي.
مع تفاؤل وترحيب العالم أجمع بالإعلان الليبي الأخير الخاص بوقف إطلاق النار، إلا أن هناك بعض المخاوف من عدم القدرة على تحقيق السلام وإنجاح المفاوضات والحوار بين أطراف الأزمة الليبية، فالميليشيات والمرتزقة التابعة للوفاق حتى بعد الإعلان، كانت تهاجم منطقة الأصابع بالمدرعات المسلحة، مستهدفة تهجير السكان وطردهم من بيوتهم، إضافة إلى تصريحات الناطق باسم "المجلس الاستشاري" في طرابلس، والتي أشار فيها إلى أن مجلس الدولة لم يكن على دراية بإعلان رئيس المجلس "فايز السراج" الإيقاف الفوري لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، كذلك لا يمكن الوثوق في الرغبة التركية في الوصول إلى حل، فالأتراك لا يختلفون عن الإيرانيين في المراوغة، والعمل على إطالة التفاوض من أجل الوصول إلى حلول مرضية لهم، أو حتى نقض كل الاتفاقات والالتفاف حولها، كما أن أنقرة والدوحة بعد التحركات المريبة قبل الإعلان، تسعيان إلى "صوملة ليبيا" بتشكيل قوات موالية لهما، وهو ما يدفع نحو استدامة الفوضى وتعميق الانقسامات داخليا، من خلال تشكيل قوات موالية للبلدين في ليبيا وتقديمها للمجتمع الدولي على أنها قوات نظامية، مما يجعلنا نقلل من حالة التفاؤل و الحذر الشديد ؛ لأن الوضع على الأرض في غرب ليبيا غير مطمئن.
لا شك أن وقف إطلاق النار هو تحول استراتيجي ونقطة مهمة في بحر الحل، وانتصار حقيقي لإعلان القاهرة، وأن مصر استطاعت أن تخضع المحتل التركي دون قتال بعد الخط الأحمر الذي حدده الرئيس السيسي في سرت والجفرة، خصوصًا بعد الدعم الكبير الذي لاقاه إعلان القاهرة من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن التأييد الواسع من جانب الدول العربية، إضافة إلى إقرار البرلمان المصري مشروعية تدخل مصر في ليبيا إذا لزم الأمر بعد لقاء الرئيس السيسي مع شيوخ وأعيان القبائل الليبية.
مما سبق نستطيع القول إنه من المؤكد أن هناك موقفا تركيا واضحا في هذا الشأن، وأن ما جرى من قبل الوفاق ليس إلا توزيع أدوار؛ يذهب السراج في جهة التهدئة محاولا كسب الوقت وتغيير مشهد التوازنات الدولية، لا سيما حول سرت والجفرة، فيما جناح آخر يكشف عن نوايا مغايرة تدعم السراج إن ذهب إلى مفاوضات مع الشرق الليبي، وفي كلا الحالتين تبقى كافة الأطراف في طرابلس كالدمى في أيدي أردوغان صاحب الرؤية الأكبر والأخطر في المتوسط وأفريقيا على حد سواء، لهذا لابد من الضغط لإخراج المرتزقة من ليبيا للوصول إلى حل حقيقي، فأي اتفاق هش لا يعتمد على أسس وقواعد ومرجعيات صلبة وضمانات أممية ودولية وأجندات معينة للتفاوض لحل سياسي شامل، ستكون نتائجه وخيمة داخليا وعلى الدول المجاورة؛ لأن النظام التركي ليس نظاما صادقاً و لا يمكن الوثوق به.