د. علي الخلاقي يكتب:

الأول من سبتمبر ذكرى يوم الجيش

كانت الخدمة العسكرية إلزامية.. ومثلت مدرسةً وطنيةً  لتربية وتنشئة الشباب وإعدادهم للدفاع عن الوطن، وقد اتجهت عام 1979م لتأدية الخدمة العسكرية ضمن الدفعة الخامسة, وكنت أعمل حينها في سكرتارية اللجنة المركزية لاتحاد الشباب اليمني (أشيد) وكان رئيسه رياض عمر العكبري .. وتشرفت بالعمل مع الزملاء: سالم عبدالرحمن الشهابي, شوقي شفيق, ناصر بحاح, في مبنى الاتحاد الكائن في خور مكسر بجانب مبنى اتحاد الفلاحين الذي كان يرأسه أحمد عبيد بن دغر والمعهد الإعلامي وكان مديره الصحفي القدير عبدالرحمن خبارة (رحمه الله).
 
وفي معسكر التدريب في العند سبقتني شهرتي المتواضعة كإعلامي, وكان نصيبي أن عملت في تقديم برامج الإذاعة الداخلية, وإصدار النشرة الحائطية...مع التخفيف من التدريبات العسكرية التي كنت أعفى منها أثناء انشغالي بعملي الإعلامي, ومكثت في مركز التدريب بالعند أقل من شهر، حتى حان موعد توزيع المجندين على مختلف الوحدات العسكرية، ولم نكن نشعر إلى أين سنتجه. 
 
وعند توزيع المجندين  كان نصيبي  أن اتجهت إلى قيادة سلاح المدفعية, وكان قائده وقتذاك خالد أبوبكر باراس, ونائبه للشئون السياسية  الفقيد عبدالهادي عمر ديان, وأركان السلاح علي سعيد عبيد.. ولأن المرحوم ديان يعرف عن اهتماماتي الاعلامية منذ المرحلة الإعدادية ثم الثانوية فقد كلفني منذ البدء بالتفرغ للعمل الإعلامي في قيادة السلاح وكنت أقوم من ساعات الفجر بتشغيل الاذاعة الداخلية يومياً وكذلك العمل على  إعداد المجلة الحائطية والملصقات المتنوعة وإدارة العمل الاعلامي في القاعة الثقافية في قيادة سلاح المدفعية والصواريخ، وعملت بكل إخلاص في تنفيذ المهام الموكلة إليَّ والارتقاء بالعمل الإعلامي في قيادة السلاح، وكان نشاطي محل تقدير قيادة السلاح وكافة الضباط والجنود، وهكذا فلم تمض سوى أشهر قليلة حتى أنتخبت سكرتيراً للمنظمة القاعدية في قيادة سلاح المدفعية والصواريخ, ورغم تهيبي لهذه المسئولية لكونني حينها مجنداً ويتواجد في عضوية تلك المنظمة جميع قادة سلاح المدفعية والصواريخ فضلا عن عدد كبير من الضباط والأفراد, إلا أن الجميع قد أجمعوا على انتخابي وأبدوا استعدادهم لمساعدتي في قيادة نشاط المنظمة القاعدية الحزبية, فكنت أترأس الاجتماعات (وأنا مجنداً ) فيما يقف أمامي قادة وأركانات السلاح بما فيهم قائد السلاح خالد باراس وكان حينها عضوا في اللجنة المركزية للحزب .. لكنه الانضباط الحزبي حينها الذي لم يفرق بين القائد والمجند, بل أن المجند كان هو القائد الحزبي عند إدارة الاجتماعات الحزبية ومتابعة تنفيذ المهام الحزبية, كما هو حال العبد لله(المجند علي صالح الخلاقي)، وكان قائد السلاح حين يتغيب لحضوره اجتماعات اللجنة المركزية أو أية مهام أخرى يقدم عذراً كتابياً نحتفظ به في أرشيف المنظمة القاعدية أسوة بغيره من الأعضاء بغض النظر عن مناصبهم أو رتبهم العسكرية. 
 
لم يطل بي المقام في سلاح المدفعية, فقد حضر علي عنتر وكان وزيراً للدفاع حضر العرض العسكري بمناسبة عيد سلاح المدفعية الذي أقيم صباحاً, وكنت أقدم الحفل بصوت جهوري وبكلمات ارتجالية لاقت استحساناً لدى وزير الدفاع ولدى الجمهور , وفي المساء كان الحفل الفني الذي حضره أيضاً علي عنتر وقدمت الحفل بطريقة تختلف عن تقديم العرض العسكري, وبتعليقات وكلمات ارتجالية رقيقة تتناسب والفقرات الفنية, فاستدعاني وزير الدفاع وعبر عن إعجابه بموهبتي في التقديم, وفي تلك الأمسية الفنية أعطى توجيهاً بنقلي إلى الدائرة السياسية لتقديم برنامج جيش الشعب, الذي كان يقدمه قبلي المذيع أحمد ناصر الحماطي, وكذا المذيع محمد عبدالرحمن.. وقد حاول المرحوم ديان وقادة سلاح المدفعية أن يعترضوا بحجة أنني انتخبت سكرتيراً للمنظمة القاعدية, وكان رد الوزير: أن انتقاله سيفيد الجيش بكامله بدلاً من فائدته لسلاح المدفعية. 
 
انتقلت إلى الدائرة السياسية (مجنداً) وأتيحيت لي فرصة الظهور الإعلامي من خلال الإذاعة والتلفزيون، حيث تحملت مسئولية برنامج (جيش الشعب) الإسبوعي، وسخرت جهدي وإمكانياتي للنجاح في إعداد وتقديم البرنامج البرنامج بطريقة مشوقة ومفيدة وبمساعدة من الأعزاء في الدائرة الثقافية .
 
ومكنني  عملي الإعلامي حينها من الارتباط بعلاقات واسعة مع جميع قادة القوات المسلحة وقيادات الدوائر والأسلحة والوحدات المختلفة من خلال اللقاءات والنزول الميداني المخصص للتغطية الإعلامية، وارتبطت بعلاقات عملية وشخصية مع وزراء الدفاع الذين تناوبوا على هذا المنصب خلال فترة عملي بدءاً من  علي عنتر ثم صالح مصلح ثم صالح عبيد، وكذا رئيس هيئة الأركان العامة عبدالله علي عليوه، ونواب رئيس هيئة الأركان العامة، بما في ذلك عبدربه منصور هادي الذي كان نائب رئيس الأركان لشئون الإمداد والتموين.
 
كما اتاح لي عملي الإعلامي في برنامج (جيش الشعب) النزول إلى جميع مناطق الجمهورية حيث تتواجد وحدات وألوية أبطال القوات المسلحة، في السهول والوديان والقمم والصحاري، فصعدت أكثر من مرة  إلى أعلى قمم جبال المهرة التي تشمخ فوق (حوف) وشربنا هناك لبن الإبل (النّوَق) وأكلنا لحم العجول (الفِعران) حسب تقاليد الضيافة المهرية، وزرت مرات عديدة قيادة ووحدات المحور الشرقي في الغيظة الذي كان يقوده المرحوم القائد حسين صالح الجرادي، أو (العم حسين) كما كان يخاطبه الضباط والجنود لتواضعه..وفي سيئون تناولت الرطب الطري من أعذاق أشجار النخيل السامقة التي تزين أفنان وحدائق المنازل السيئونية، وهناك التقيت أحمد سيف محسن قائد المحور الأوسط في مقر إقامته ..كما زرت العبر وعتق وبيحان ومكيراس وخرز وجزيرة سقطرى وجزيرة ميون وتكررت زياراتي لمرات لكثير من المواقع، وكنت أعطي اهتماماً خاصا للقاء بالمنجدين والجنود الذين انقضت فترة طويلة من غيابهم عن أسرهم لإيصال صوتهم وصورتهم إلى أسرهم للإطمئنان عليهم.
 
أما المحور الغربي الذي تقع قيادته في (العند) فقد حظي بأكثر من غيره في النزول الميداني نظرا لاحتوائه على المركز التدريبي وقيادة المحور والقاعدة الجوية الرئيسية في البلاد. وأجريت لقاءات في مناسبات عديدة مع قادة صنوف الأسلحة البرية والبحرية والجوية وقادة الوحدات الإدارية والفنية.
 
وحين اقتربت نهاية خدمتي استدعاني وزير الدفاع وطلب مني البقاء بدرجة وظيفية مدنية أفضل من تلك التي كنت قد حصلت عليها في أشيد, أو برتبة عسكرية سيمنحني إياها بصورة استثنائية حسب القانون, ففضلت البقاء بالدرجة المدنية, وكنت أقدم البرنامج بالزي العسكري, وفي أواخر عام 1982م, وكان وزير الدفاع حينها صالح مصلح قاسم, وكان يعطي اهتماماً كبيراً لبرنامج الجيش ويتابع حلقاته باهتمام ويتصل لإبداء إعجابه أو طرح أية ملاحظات, وحين تقدمت بطلب الحصول على تأهيل جامعي وشقة سكنية, ربط ذلك بحصولي على الرقم العسكري وفقا للأنظمة العسكرية, وبدون ذلك لا يستطيع أن يوافق على تفرغي لمواصلة الدراسة, وحين وافقت منحني على الفور رتبة ملازم ثاني في نفس العام حسب القانون الذي يجيز له ذلك, وكان عليّ وفقا للنظام أن التحق في دورة قائد فصيلة للحصول على شهادة بتسميتي ضابطاً في القوات المسلحة، وهكذا التحقت عُدت مجدداً إلى مركز تدريب العند في دورة قادة فصيلة مع عدد من الضباط لمدة ثلاثة أشهر، خلال الفترة من 9أكتوبر1982م وحتى 3يناير 1983م، وقد كُلفّت خلال هذه الدورة أيضاً بتشغيل قسم الإعلام في مركز العند وكان معي في الدورة الفنان المرحوم (حسين فقيه) صاحب الحس الفني المرهف والذي  لا يفقه في الشئون العسكرية ولا يرتاح لها، ونظراً لمكانته الفنية فقد تم تقديره كفنان وأعفي من التدريبات العسكرية وكان يرفّه على الجنود والمجندين بفنه في أوقات فراغهم. وهكذا غدوت منذ ذلك الحين ضابطاً برتبة ملازم ثاني.ٍ 
 
وكان عام 1984م عاماً استثنائيا بالنسبة لي، ففيه منحني وزير الدفاع صالح مصلح قاسم رتبة ملازم أول بصورة استثنائية, وفيه أيضاً منحت في عيد الجيش وسام الاخلاص من قبل الرئيس علي ناصر محمد مع عدد من قادة وكوادر القوات المسلحة, كما منحت وسام التفوق القتالي نظير خدماتي الاعلامية للقوات المسلحة, وفي ذلك العام أيضاً حصلت على شقة سكنية, في وديع حداد, ما زلت أسكنها حتى اليوم, وفيها رأى النور أولادي الخمسة (3 أولاد وبنتان).
 
وخلال عملي في الدائرة السياسية عملت لسنوات أيضاً في صحيفة(الراية) ومجلة (الجندي) وشغلت سكرتيراً للتحرير, حينما كان رئيس التحرير الصديق الأستاذ محمد حسين محمد الجياشي (رحمة الله عليه)، ومن الزملاء الذين عملت معهم وجمعتنا مهنة الكلمة: ابراهيم الكاف(مدير التحرير) والزملاء الذين تخرجوا للتو حينها من الاتحاد السوفيتي: عيدروس باحشوان، يحيى عبدالله بن عبدالله، عباس اليزيدي، محمد سعد الصغير.
 
وفي العام 1984 شاركت مع الزميل إسماعيل شيباني في وفد مثل منظمة الصحفيين الديمقراطين في المؤتمر الدولي للصحفيين الذي عقد في بيونج يانج عاصمة كوريا الديمقراطية, وكنت أشغل حينها رئاسة اللجنة الصحفية في صحيفة (الراية), ومجلة( الجندي)، وكان يمثل الجمهورية العربية اليمنية في ذلك المؤتمر الأستاذ محمد المساح.
 
وإلى جانب تقديم البرنامج الأسبوعي (جيش الشعب) في الإذاعة والتلقزيون, كنت أكتب موضوعات وأعمدة في صحيفتي (الثوري) و(14 أكتوبر).. وأذكر أن أول موضوع كتبته في صحيفة (14 أكتوبر)عام 1979م قد كان عن مستشفى الحد – يافع الذي بنته دولة الكويت الشقيق وكان عنوانه (مستشفى الحد يتشقق قبل أن يفتتح).. ثم تتالت مقالاتي التي أبعثها تباعا إلى صحيفة (14 أكتوبر) حتى استدعاني رئيس تحريرها الأستاذ المرحوم أحمد سالم الحنكي عن طريق شقيقه الصديق السفير عبدالله سالم الحنكي الذي كان يشغل حينها رئيس قسم الشباب بالدائرة السياسية وعندها تعرفت عليه ومنحني مكافأة مالية مجزية عن مقالاتي الأخيرة فقط- كما قال- وطلب مني الحضور لاستلام مكافآتي المالية عن كتاباتي نهاية كل شهر.. والحقيقة أنني كنت قبل ذلك لا أعرف عن مثل هذه المكافآت وكنت أعتبر نشر مقالاتي خير مكافأة انظر إليها بكل اعتزاز, ويزداد فرحي حين أجد مقالاتي تنشر دول حذف أو تعديل .. 
وعندما طلبت من وزير الدفاع صالح مصلح التفرغ لمواصلة الدراسة طلب مني إعداد البديل قبل أن يأذن لي بالتفرغ فكان أن عمل معي الزميلين سعيد محمد سيف وصالح مثنى عمر(رحمه الله) , ثم جاءت أحداث 13 يناير الدامية 1986, ورغم إغراءات المناصب حينها, إلا أنني فضلت الدراسة التي كانت حلمي ورغبتي، وكان صالح عبيد أحمد الذي تقلد منصب وزير الدفاع قد شغل قبلها نائبا لمدير الدائرة السياسية وربطتني به علاقة شخصية بحكم طبيعة عملنا, فوافق على مغادرتي للدراسة الجامعية عبر منحة تابعة لوزارة التربية والتعليم.. وأكملت دراستي العليا.. ماجستير صحافة دولية بامتياز عام 1992, ثم واصلت الدكتوارة في التاريخ وبأمتياز أيضاًعام 1996م.. وعدت بعد التخرج لألتحق بالعمل في قسم البحوث بدائرة التخطيط في وزارة الدفاع بصنعاء بدرجة كبير الباحثين..دون عمل يسند لي أو بحث أقوم به.. وشعرت وكأنني في سجن أتحين الفرصة للخروج منه..وسعيت جهدي للانتقال إلى جامعة عدن من خلال تواصلي مع أ.د.صالح علي باصرة وتحقق  لي ذلك في العام 1998م حيث انتقلت من القوات المسلحة للعمل أستاذا في جامعة عدن ضمن قوام الهيئة التدريسية لكلية التربية –يافع التي تأسست في ذلك العام مع عدد من الكليات الأخرى وما زلت فيها حتى الآن ، ولهذه الفترة حكاياتها سأرويها في حينها..