يتفق معظم المتابعين للوضع العسكري في محافظة مأرب على خطورة الحالة واختلال ميزان القوى وبروز مؤشرات على احتمال سقوط مأرب المدينة وما تبقى من مديريات المحافظة بيد الجماعة العسكرية الحوثية، وقد قال العميد مفرح بحيبح قائد المنطقة العسكرية الثالثة أن الحوثيين يعتمدون استراتيجية إغراق المنطقة بالأفواج البشرية التي تؤدي إلى إنهاك المقاومين من القوات (الشرعية) ولا يأبهون لسقوط المئات أو حتى الآلاف من جنودهم في سبيل إسقاط المدينة ومن ثم كل المحافظة.
وبعيداً عن التمنيات والمخاوف يمكن الإشارة إلى عدد من الافتراضات المطروحة إزاء المعارك الدائرة في مأرب، ويتركز ما يقوله المحللون والباحثون السياسيون والعسكريون فيما يلي:
• البعض يرى أنه من المستحيل سقوط مأرب بيد الحوثيين ليس بفضل قوة الشرعية أو حنكة جيشها، بل بفعل قرار دولي غير معلن يقضي بحرمان الحوثيين من هذه المنطقة لأن سقوط مأرب يعني النهاية المعنوية والسياسية والعسكرية والأخلاقية للشرعية وإنه لو صارت مأرب على وشك السقوط لعقد لها ستوكهولم ثاني للحيلولة دون تمكين الحوثيين من السيطرة عليها.
• ويرى البعض الآخر أن مأرب قد لا تسقط مباشرة بيد الحوثيين لكن صفقةً أكبر قد تشمل مأرب ربما سيعقدها الحوثيون مع التجمع اليمني للإصلاح تقضي بإعادة توزيع المناطق بين الطرفين دونما حاجة إلى الحرب ومن ثم الانتقال إلى التسوية النهائية للأزمة في اليمن، وإذا ما اتفق الإخوان والحوثيون فإن بقية القوى (المحسوبة على الشرعية) بما في ذلك الرئيس هادي نفسه، لن تكون إلآ شريكا أضعف أو رافضا أضعف لمثل هذه الصفقة.
• ويرى آخرون أن مأرب سيسقطها الحوثيون بقوة الهجوم العسكري، فهم لا يأبهون لضحاياهم البشرية ناهيك عن ضحايا الطرف الخصم في سبيل تحقيق الهدف الذي يرسمونه لأنفسهم، وإذا ما تحقق ذلك فإن الخطوة التالية ستتضمن إما مواصلة الحوثيين هجومهم شرقا وجنوبا باتجاه حضرموت وعدن، وإما الاتفاق على التسوية بينهم وبين الإصلاحيين بحيث يسلم الجنوب للإصلاح تحت اسم الشرعية ويبقى الشمال بيد الحوثيين، وسيتفق الطرفان على صيغة ما يمكن الخروج منها بماء الوجه بعد أن يكون الشعب في الجنوب والشمال وقواه السياسية والعسكرية قد أصابهم الإنهاك والانهيار ويكون أي مخرج ينهي الحرب محل ترحاب حتى لو كان إيقاف الحرب هو المنجز الوحيد الذي حققه الجميع.
• وهناك تصور آخر لا يرغب أالكثيرون في الحديث عنه عند ما يدور الحديث عن الجنوب، وهو أن الحوثيين والإصلاحيين كقوتين دينيتين متطرفتين تنطلقان من عقلية الوصاية على ضمائر ومصائر الناس هما قوتان لا أهلية لهما سوى فرض حضورهما بالقوة المسلحة وباستدعاء النص الديني واتخاذه عصاء يتكئان عليها في مشروعيهما أو هراوة للتلويح بها في وجه من يختلف معهما، إن هذين الطرفين قد استهلكا شعبيتهما ولم يعد لهما منها رصيدا سوى أدوات الإكراه والتسلط والعمليات القمعية تجاه المختلفين معهما، وأن سقوط مأرب لن يكون إلا ذروة المعركة بينهما أو معهما، لتبدأ بعدها مرحلة العد التنازلي للقوتين، فالحوثيين ما يزالون يتذكرون الدروس المرة التي تجرعوها عندما جربوا غزو الجنوب في العام 2015م وكان معهم عشرات الألوية التابعة للرئيس السابق صالح والتي كانت موجودة منذ العام 1994م ولم تفعل سوى التدرب على الصرخة، ومع ذلك انكسرت شوكة هذا التحالف على يد مقاومة جنوبية لم تكن تمتلك ما يكفي للتصدي لتلك الجحافل من الآلاف المؤلفة ذات العدة والعتاد والمهارة الفائقة ومع ذلك ألحقت به تلك الهزيمة المنكرة التي يعرفها الجميع.
وما ينطبق على ما يسمونه المثلث الغربي (أبين، عدن، لحج، الضالع) ينطبق على المحافظات الشرقية (شبوة حضرموت ، المهرة) التي ليس فيها أية حاضنة شعبية لا للحوثيين ولا للإخوان المسلمين، إذا ما استثنينا عشرات الأسماء التي ينصبها تجمع الإصلاح ويلمعها ويمنحها المناصب والألقاب ليظهرها وكأنها هي الجنوب ولا جنوب سواها.
هذا المعطى الذي لا يرغب الكثيرون في التحدث عنه يقول أن سقوط مأرب سيعني سقوط الشرعية، كسلطة وكمنظومة وكأحزاب وكمؤسسات عسكرية وأمنية وحتى تنفيذية، لأن التعامل مع الحوثي وأنصاره في الجنوب لن يكون كالتعامل معه في الشمال والشرعية التي تسلم مدنها ومعسكراتها ومواقعها لعدوها ثم تأتي لتتوسع حيث لم تقدم حقنة دواء ولا علبة حليب أو قرص رغيف لمحتاج، لن تجد ما تتبجح به لدى المواطنين الذين دافعوا عنها وحرروا لها الأرض ومنحوها إياها ثم تتأهب لتسليمها للحوثيين مثلما سلمت مناطق الجوف مأرب.
وحتى تلك التسريبات التي تقول أن الألوية الزئبقية التي حتى اليوم لم تطلق رصاصة واحد لا ضد الحوثي ولا ضد القاعدة قد تنظم إلى القوات الحوثية في حالة الهجوم على الجنوب، لا يعلم أصحابها أن بقاءها في الجنوب هو بسبب عدم تسجيل أي حضور لها، وأن مجرد دخولها في مواجهة مع المواطنين الجنوبيين قواتهم المسلحة، سيعني نهايتها ونهاية الحوثي في الجنوب معاً، وحينئذٍ ماذا سيبقى للشرعية غير مجموعة موظفين وهميين منتشرين في مدن اسطنبول وأنقرة والرياض وجدة والدوحة وعمان والقاهرة وغيرها.
حتى اللحظة لم نتحدث عن التمنيات والعواطف، وهنا أجزم أنه لا يوجد مواطن أو ناشط سياسي يمني شريف من الجنوب أو من الشمال يتمنى أن تسقط مأرب بيد الحوثيين، لأن مأرب هي نقطة ضعفهم وهي مع بعض مناطق قليلة في تعز والساحل الغربي تمثل ما تبقى من رموز التصدي للحوثيين ومشروعهم المقيت، وهي يمكن أن تشكل نقطة إعادة انطلاق باتجاه استعادة صنعاء لكن ذلك لن يتم على أيدي القيادات التي استنفدت كل معنوياتها وسمعتها وما روجت لنفسها من دعايات عن قدراتها الخارقة وما تملكه من سحر في قلب موازين القوى بعد أن قلبت تلك الموازين ضد التحالف وضد الشرعية وسلمت آلاف الكيلومترات المربعة للحوثيين دونما أدنى مقاومة.
وأخيرا:
مأرب لن تسقط لكن ليس بفضل قوة الجيش (الوطني) الذي خسر كل معركة دخل فيها منذ حيدان ومران وعمران ومناطق همدان، حتى نهم والحزم وجبال هيلان والعبدية، ولا حتى بقرار دولي أو ستكهولم ثانية أو ثالثة، بل بفعل المقاومة الشرسة لأبنائها الأبطال الذين هزموا الحوثي أول مرة في العام 2015م قبل تكوين لا جيش وطني ولا مليشيات حزبية ولا حتى قيام عاصفة الحزم، وسيسقطون المشروع الحوثي مثلما أسقطوه في العام 2015م رغم تخاذل المتخاذلين وخداع المخادعين.