علي ثابت القضيبي يكتب:
كلنا ضحايا .. كلنا مجرمين !
العنوان هو عبارة قالها خالد صفوان ( كمال الشناوي ) في فيلم الكرنك ، وفيه جَسّد شخصية صلاح نصر رئيس مخابرات مصر في عهد عبدالناصر ، وفي دلالاته إسقاط موفّق يتماهى وواقعنا اليوم ، خصوصاً وهذا الواقع قد ?ل الى ملمح تراجيدي تعكسه كل مجريات كل مجريات حياتنا اللحظة ومدى صلتنا بها .
مَن يتجوّل بين ثنايا حياتنا اليوم سيصعقه مابلغناه ، فالمخدرات شاعت بشكل كارثي ، ومؤشر الجريمة في تصاعد مرعب ، والتعليم إنهار ، وتفاقم مؤشر تسرٌب الطلاب ، وأصبح مرأى البلاطجة المدجّجين بالسلاح مألوفاً ، حتى النظافة العامة إنحدر تعاملنا معها الى الحضيض ، ناهيك عن تفاقم غلو خطابنا الديني وتشرذمه .. إلخ ، أي أننا أصبحنا نخوضُ في مستنقع موحل .
المشهد العبثي الذي يسحقنا اليوم مُمنهجاً ، ورسم سيناريو خطواته العرّابين الكبار المُستهدفين لبلداننا ، وهو ضمن سياساتهم الخبيثة التي وضعها على طاولاتهم مفكرين إستراتيجيين كبرنارد لويس وفوكوياما وسواهم ، وذلك لتغيير مفاهيم الحروب وأدواتها مع الخصوم ، فعوضاً عن ماعُرف بحروب الجيل الثاني ، وهي الحرب بالدبابات وحاملات الطائرات والقوات المجوقلة وخلافه ، فقد جرى إستبدالها بحروب الجيل الرابع ، أي الفتك وتدمير الدول المستهدفة من داخلها ، وأدواتها هي التدمير الممنهج الذي تنهض به قوىً عدة من أصل البلاد نفسها ، وهذا مانعيشه هنا اليوم وفي سوريا وليبيا .. إلخ .
لقد بدأ الفتك بنا في عصب حياتنا وهو ديننا ، وبحسب المخطط بدأ التمزيق عبر تشجيع إنشاء المدارس الدينية المتشددة والمتناحرة مع بدايات ثمانينات القرن الفارط ، وهكذا تناسلت الطوائف وتكاثرت كالفطر في بلداننا ، وكل منها يرى أنه الأصوب ، بل منها اليوم من يغتال ويفجر بناءً على فتاوي الإفك ، وتخيلوا في مصر ، أن الإسكافي الذي طعن الاديب الكبير نجيب محفوظ بغية قتله ، لم يقرأ روايته ( أولاد حارتنا ) التي على أساسها تقرر إغتياله بحسب فتوى إفك !
حقاً لقد كنا في غفلة وما انفكينا ، فلم ينبري أحد ليتصدّى لشابٍ شاع عنه تعاطيه المخدرات أو ترويجها ، أو حتى يُبلغ عنه أهله ، ولم ينبري أحد لصبيٍ هرب من مدرسته وطفق يتسكع في الشوارع ، وكلنا صمتنا على الأباء الذين ينزلون الى المدارس ليضربوا معلمين لأنهم زجروا أبنائهم ، وكلنا لم ننهر من يرمي قمامته في غير موضعها ، أو من يطلق رصاصاته عبثاً في الهواء ، أو من يتشدّق ويتبجح بالسلاح في الشوارع .. إلخ ، هكذا إستحالت حياتنا الى مقلب قُمامة مقرف .
الكارثي أن سلطاتنا رثّة ولصة ايضا ، وكل مسؤول فيها لايهمه إلا ماينهبه من البلاد ومن ثرواتها ، وكلهم كانوا يشعرون أن ثمة مخطط للفتك بالبلاد ، لكن أحد لم ينبه اليه مطلقاً ، وكلهم إنساقوا في تنفيذه وصمتوا عليه خوفا على كراسيهم التي يقاتلوا لأجلها ايضاً ، ولذلك إنحدر بنا الحال الى هذا الم?ل الجهنمي ، والقادم يفوقه هولاً وبشاعة كما هو مرسوم ، لأننا كلنا إستمرائنا دور الضحايا أو الركون الى مقولة ( وأنا مالي ) ، وبصمتنا تحولنا الى مجرمين بحق أنفسنا وأولادنا وأسرنا وأوطاننا .. أليس كذلك ؟!