علي ثابت القضيبي يكتب لـ(اليوم الثامن):
هي مسألة ثقافات
أوقن تماماً أن الأشقاء في الإقليم إفترضوا ضرورة توافر إستراحة محارب للحرب الدائرة في جغرافيتنا هنا ، ولإحباطهم من الشرعية ، وحسناً فعلوا الى حدٍ ما ، وهكذا جاءت مخرجات المشاورات اليمنية - اليمنية الأخيرة المجهزة من الإقليم ، ورغم أن تجليات الواقع تشيرُ صراحة الى أن كل الشمال عدا نتفٍ من تعز ومأرب قد تمّ إبتلاعه في فم الحوت الحوثي / الإيراني ، وأُجزم هنا أنه في حكم المحال أن تفرّط إيران بجغرافيا عربية إلتهمتها في جوفها ، فهذه إيران ، ثمّ أن شعب الشمال في حكم المحال ايضا أن ينتفض أو يتململ سعياً للخروج من واقعه الراهن تحت الحوثي ، ويُخطئ في الحسابات من يظن بعكس ذلك .
هي ثقافة تٱصلت في الوجدان الشمالي لقرون خلت ، وفي جنوبنا بالعكس تماماً ، وخلال إحتلال الحوثي لعدن والجنوب ، هبّت الجموع هائجة لقتاله ، وتجندلت طوابير طويلة من الشهداء والجرحى من معظم محافظات الجنوب ، وفي عدن وحدها قائمة الشهداء تحويها ملزمة متخمة بعشرات الصفحات ، وهكذا في لحج وأبين والضالع وشبوه ، ولكن في الشمال خلال سبع سنوات حرب ، قائمة الشهداء لاتصل الى نصف صفحة واحدة فولسكاب ! وأتحدّى أن تنشر الصحافة قوائم الشهداء الصحيحة هنا وهناك .
بالمناسبة ، كل الشماليين المتواجدين في عدن كنازحين أو مقيمين ، كلهم متعاطفين مع الحوثي ، ولسان حالهم يقول : ( هو في حالهِ ونحن في حالنا ) ، مع أن فضائع منعهِ لصلاة التراويح ، أو تغييره المناهج الدراسية للطلاب الى المذهب الشيعي ، أو تحويله الكثير من الجوامع الى مبارز للقات ، وهذه تتناول صورها الميديا بكثرة ، كل هذا لايحرك ساكنا لدى إخوتنا في الشمال ! فهذا شأن سلطة الحوثي بحسب تعبيرهم !
ينظر الشمال بمجمله للجنوب كمساحة فيدٍ أو باحة للقمع والتنكيل بشعبه ، حتى في الإجراء الإداري ( البصمة والصورة ) للإزدواج الوظيفي الذي نفّذته سلطة عفاش ، تمّ ذلك في الجنوب حصراً وحسب ، وعلى خلفيته تمّ شطب الألاف من قوائم الموظفين لأنهم لم يحضروا للبصم في مراكز الخدمة المدنية ، فمنهم من إعتبر ذلك مجرّد إجراء عابر ولم يُوله أهمية ، ومنهم من كان خارج البلاد أو لزيارة قريب أو في الريف وخلافه ، وشُطبوا جميعا من كشوفات الخدمة المدنية كموظفين ، وفي الشمال لم يحدث شيئاً البته ، فما انفك من يستلم راتبين وثلاثة وأربعة من الدولة في الكشوفات وحتى اللحظة !
كذلك كشوفات المرتبات في الجنوب والشمال ، هنا في جنوبنا في كشوفات المرتبات تجد إسم الموظف وقائمة بالإستقطاعات والإجمالي الصافي وحسب ، لكن في الشمال تجد كشوفات رواتب كل الموظفين بالإسم والإستقطاعات وقائمة طويلة من البدل والعلاوات كلها مملؤة وبينها بدل الإشراف والنوبة وبدل تطبيب وإيجار سكن وخلافه ! وصافي الراتب المستلم بفارق كبير جداً بين الموظف الشمالي والموظف الجنوبي في الوظيفة الواحدة !
القائد عيدروس وعد أُسر الشهداء بإضافة في رواتبهم قبل فترة ، وبحيث يصل راتب الشهيد الى 120 ألف ريال يمني بدلاً من 60 الف ريال الحالية ، ولم يحدث ذلك من قبل التحالف ، والٱن بعودة المطالبة للوفاء بهذا الوعد من الدولة ، سوف يجد ( لا الرفض ) من أهل الشمال في السلطة الحالية وبكل تعنت ايضا ، لأن الشمال بدون شهداء وجرحى أصلاً ، أو هم محدودين ، وستكون مثل هذه الزيادة كإمتياز في صالح أسر شهداء الجنوب الكُثر ، ولأن مجلس القيادة والشماليين في حكومة معين يأبون لأي إمتياز كان للجنوب سيرفضون ذلك رفضاً قاطعاً ، وهذا الفارق بيننا وبينهم ، وهم يقولون لك كهرطقة وحدة وشعب واحد ، وعلى القائد عيدروس والجنوبيين في السلطة أن يستميتوا إزاء هذا الإستحقاق لشهداء الجنوب والمشروع ايضاً .
الثقافة بين الشعبين يصورها البون الشاسع في كل الممارسات ، وهذا لم يأخذه أخوتنا في الإقليم في الإعتبار ، ولو خُيّر الشماليين للبقاء الى جانب الحوثي ومعه لإختاروا البقاء تحته بدون تردد ، وكل ماأسلفناه هو قنابل موقوتة ستتفجّر حتما في حين ما ، بل هي بين أسباب إصرارنا على فكّ الإرتباط أصلاً ، أليس كذلك ؟!