فيصل الصوفي يكتب:
عدن.. لملس والحامدي
إعادة عدن إلى ما كانت عليه قبل 2011، على الأقل، مهمة عسيرة قد ألقيت على عاتق المحافظ الجديد أحمد محمد لملس، لكن المهمة ليست مستحيلة، خاصة إذا صدقنا اليوم كلام الذين يؤيدونه ويطلبون من الآخرين الوقوف إلى جانبه.. لملس مثقف مستنير وإداري مجرب، خبرناه عام 2007 حين كان على رأس السلطة المحلية في مديرية المنصورة، وقبل نحو أربع سنين كان يبلى جيداً في شبوة، على الرغم من قصر المدة الزمنية التي شغل فيها منصب المحافظ هناك.. العميد أحمد الحامدي المدير الجديد لمحافظة عدن هو الآخر ينبغي أن يكون ضميمة وركناً ركيناً للمحافظ؛ كي تستعيد عدن عافيتها وروحها، فما يحدث في عدن اليوم يغيظ الحليم.
قطاع الخدمات هو أب وأم العلاقة الجيدة بين المواطن والسلطة المحلية.. الاحتياج إلى الخدمة الصحية والتعليمية وإلى إمدادات المياه والطاقة، مُلح على المستوى الآني أو القريب، كذلك حق المواطن في الأمن.. هذه المجالات ينبغي أن تغدو على ما يرام في أقرب وقت لكي يطمئن المواطن إلى حكامه الجدد.
عدن تجاوزت مرحلة الثورة والتحرير إلى مرحلة البناء، فلا مبرر لانتشار الأسلحة، لأن هذه الظاهرة تنتج مشكلة أو فتنة كل يوم.. ينبغي أن يقال للشباب لماذا عليكم حمل السلاح دون وجود دواعٍ لذلك؟ قبل العام 2011 كان القائد العسكري يستر مسدسه تحرُّجاً على الرغم من أنه مُصرح له بحمله، واليوم يحمل صبية ومراهقون رشاشات، ويطلقون الرصاص للتباهي أو التسلية، أفلا يستدعي هذا العبث حظر حمل السلاح ونقله أينما انتقل صاحبه نهاراً وليلاً؟ وأنت في حافلة الركاب تجد بجانبك مبندقين، في المطعم مبندقين، في الشارع مبندقين، في سوق القات مبندقين، ولمجرد خلاف سهل بين اثنين تندلع حرب دون سابق إنذار! أهذه عدن؟
ما تقولون، وأنتم ترون أو تسمعون أن مسلحين على عدوتي الشارع يتحاربون وقت الهجير، أو تحت ضوء الشمس، وأغرار طائشون يتحاربون داخل حي سكني في أي وقت يشاءون، أو وسط حفل عرس، فتزهق روح آدمية، ويفجع المحتفلون، كما حدث قبل أيام قليلة، وكما حدث من قبل مراراً كثيرة في مديريات مختلفة، ومناسبات مختلفة، وأحياناً دون مناسبة. ما هذا؟
تركب سيارة أو تسوق سيارتك على شارع في عدن وكأنك في حالة دفاع عن النفس.. ونحن نسميه شارعاً من باب التحبب أو الدلال، وإلا فالتي في عدن لم تعد شوارع.. السير على سائلة أهون من مشقة شارع في عدن.. هذا فضلاً عن مشكلات مثل البيئة المجيفة، والسطو على الأراضي، والبناء العشوائي، وعاد باقي ظاهرة خيبة خيبة خيبة، ثري ينفق مليارات على بناء عمارة ثم يترك مخلفات البناء في الشارع.
ما أكثر المتاعب في عدن! لذلك قلنا في البداية إن المهمة الملقاة على عاتق لملس عسيرة، ولكنها ليست بالمستحيلة، خاصة إذا صدق الذين حوله، وأصبح العميد الحامدي ركناً ركيناً للسلطة المحلية.. وتخلى هذا وذاك وتلك وهذه عن الكيد السياسي، والخبث الحزبي، ولعل لملس يفهم ما نعني، وهو بالمناسبة متخصص في العلوم النفسانية إلى جانب أنه إداري مجرب، وحزبي محترم!
في ظهيرة يوم من أيام العام 2008، كنا نسير على الطريق البحري، وأمامنا سيارة أنيقة، أخرج أحدهم يده من النافذة ورمى قمامة إلى جهة مستنقع البجع، فإذا بأحدهم يتجاوز سيارتنا، ليوبخ أصحاب السيارة الأنيقة على فعلتهم.. كان ذلك هو أحمد محمد الكحلاني الذي أمضى نحو عامين في المحافظة على عدن، ومثله كان خلفه الدكتور عدنان الجفري الذي انتخب انتخاباً في مايو 2008، وفي عهده أقيمت دورة خليجي عشرين، وكانت عدن درة مدن اليمن.. ومثل رجلي الدولة هذين كان المحافظ الثالث أحمد محمد قعطبي رجل دولة، وكان بجانبهم رجال أمن مسؤولين وشجعان من قبيل عبد الله قيران، وغازي أحمد محسن.. ونحسب المحافظ الجديد أحمد محمد لملس من نوع رجال الدولة هؤلاء، كما أن مدير الأمن الجديد الحامدي لا يقل خبرة وكفاءة عن أفضل الذين سبقوه.
نزيد نقول، إن المسؤول ينتزع صلاحياته القانونية انتزاعاً، ويدافع عنها، ويعملها في الواقع، أو قل يطبقها في الفضاء الاجتماعي العام دون مهابة أو محاباة ودون تردد.. حين يفعل المسؤول ذلك يُقال عنه رجل دولة، وحين يفعل ذلك سيجد الناس إلى جانبه، وبهم يتقوى ويجود الأداء ويفرض القانون على جميع من يشملهم القانون.