مرت عملية السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول العربية بمحطاتٍ كبرى ولحظات مهمةٍ، في الحروب أولاً، ثم في السلام، وكل منهما طال عقوداً من الزمن، ولم يحصل المقصود من الحرب، ولم ينجح السلام كما ينبغي، فكان سلاماً أعرج يمشي برجلٍ واحدةٍ، لأن الأخرى تثبت أقدامها في الحرب، بينما اليوم يصنع السلام بالطريقة الصحيحة، وبالتوافق بين القيادات والشعوب، وبناء على استراتيجيات صحيحة وعملية وواقعية، ليمشي سوياً على قدمين، دون تناقضات، أو تردد أو فساد.
كان الرئيس أنور السادات رئيساً استثنائياً ذا رؤية ثاقبة وبصيرة استراتيجية مبهرةٍ، وهو الوحيد بين الزعماء العرب الذين حاربوا إسرائيل، الذي نجح في الحرب لأنه كان يمهد للسلام، انتصر في الحرب وأكمل التفاوض، وذهب إلى الكنيست تَحُفه «لعنات» بعض العرب العاجزين عن الاستيعاب، وصدع برؤيته للسلام، حتى وصل إلى كامب ديفيد، ووقع معاهدة السلام التي من دونها كانت مصر ستعاني الأمرّين، ولن تكون مصر القوية، كما نعرفها اليوم.
رفض الفلسطينيون «مشروع فهد» للسلام مطلع الثمانينيات، وفي النصف الأول من التسعينيات وقعوا اتفاقية «أوسلو» 1993، ووقع الأردنيون اتفاقية «وادي عربة» 1994. ومرت عدة دول عربية بتقاربات مع إسرائيل، تزيد وتنقص، من المغرب وموريتانيا، إلى سلطنة عُمان التي رحبت بانفتاح كبير باتفاق دولة الإمارات ومملكة البحرين مع إسرائيل.
هذا حديث الماضي، والحديث الأهم هو عن المستقبل والحاضر الذي يؤسس له، وهو الحديث عن الحجر الكبير الذي ألقي في بركة التاريخ في المنطقة، وذلك أن دول الخليج سأمت وسأمت شعوبها من الابتزاز السياسي الذي تمارسه بعض القيادات الفلسطينية وركونها إلى ما تحصّله جرّاء تجميد القضية الفلسطينية، والاستفادة من الفساد العريض المتفشي لتقاسم المعونات الخليجية، كما هو معلومٌ.
الفرق الكبير بين اتفاقيات السلام القديمة والحديثة في العالم العربي، هو أن الاتفاقيات القديمة شكلت صراعاً داخلياً بين التيارات المختلفة وبين بعض القيادات وشعوبها، ومن جهة أخرى مع قياداتٍ عربيةٍ متصارعةٍ، كان كلٌ منها يجد في البندقية الفلسطينية من يخدم أهدافه ومصالحه، حين كانت البنادق معروضةٌ للإيجار وللإرهاب وللفساد في تاريخٍ ممتدٍ يمكن لأي مختص أن يستحضره بسهولة وللأجيال الجديدة أن تبحث عنه وتستوعبه بسرعةٍ في هذا الزمن الرقمي.
اتفاقات السلام القديمة لم يتضح أثرها بشكل فعلي، ولم تمتد تأثيراتها شعبياً ومجتمعياً، ولكن الاتفاقات الجديدة ستجد أثرها سريعاً على كافة المستويات، من التعاون في مجالات الفضاء إلى الزراعة إلى الشعوب، وذلك أن شعوب دول الخليج قد سبقت القيادات في معرفة حجم الخسائر والمؤامرات والفساد والانحياز ضد دول الخليج، وهي لم تتخل عن قضية فلسطين، ولكنها ترفض أي دعمٍ للقيادات الفاسدة والفاشلة.
لم تستوعب القيادات الفلسطينية أن وقوف دول الخليج معها ضد المحتل القديم لا يعفيها من الوقوف مع دول الخليج ضد المحتلين الجدد، وهما المشروعان الكبيران المعاديان للدول العربية في المنطقة.
أخيراً، ظنّ كثيرون ممن يرفعون شعارات النضال ويزايدون ويزعمون أنهم قادرون على خداع كل الناس كل الوقت في تعاملهم مع دول الخليج وشعوبها، وهذا محالٌ.