عبدالله بن بجاد العتيبي يكتب:

الشرق الأوسط: بين نذر الحرب وآمال السلام

هل يمكن للدبلوماسية نزع فتيل الحروب قبل اشتعالها؟ والجواب الواضح هو بالإيجاب، والأمثلة لا تحصى قديماً وحديثاً، ولكن ما يجري في منطقتنا منذ أكثر من عامٍ هو مثالٌ مناقض لذلك، فمنذ 7 أكتوبر العام الماضي والمنطقة مثل مرجلٍ يغلي حروباً وقصفاً وعملياتٍ عسكرية خشنة واغتيالاتٍ وتصفياتٍ حتى أصبح الجميع يحذر من التصعيد ووضع المنطقة ومستقبلها على كف عفريت.

إسرائيل وإيران دولتان مهمتان في المنطقة، ولكلٍ منهما وزنٌ لا يستهان به إقليمياً ودولياً، وهو أمرٌ يعرفه العالم بأسره، باستثناء بعض من شجعوا قبل عامٍ ما جرى في السابع من أكتوبر وهؤلاء فضحوا أنفسهم بأنفسهم، وأصبح بعضهم يهرف بما لا يعرف، ويتكلف التبريرات السياسية ويتعسف الأفكار حتى يسوّق للخرافات والأيديولوجيات المتطرفة بمنطق معاصر وعلم حديثٍ، كما زعموا، وهذا أشبه بالجنون حيث لا علم ولا عقل. إسرائيل تحتل أجزاءً من أرض فلسطين منذ أكثر من سبعة عقودٍ وتوصلت مع الفلسطينيين وبعض الدول العربية لاتفاقات سلامٍ.

بعض المثقفين العرب عاجزون عن رؤية أي تهديدٍ غير إسرائيل، وذلك في جزء منه يعتمد على التقليد لمن سبقهم من المثقفين في عقودٍ مضت، وتكرار الأفكار أسهل من إعمال العقل وتجديد التحليل والوعي بالمتغيرات الكبرى والتهديدات الحقيقية على الأرض، هذا ممن يفترض به امتلاك أدوات فهم السياسة وتحليلها، أما الباحثون عمّا يرضي الجماهير ويدغدغ المشاعر فهم ونجوم السوشيال ميديا في طبقةٍ واحدةٍ، وإن كان نجوم السوشيال ميديا أكثر نجاحاً في إرضاء الجماهير.

التصعيد الذي كان بين إسرائيل وإيران كان خطيراً حقاً على المنطقة، وكان يمكن أن يتوسع لحربٍ شاملةٍ، ومن هنا سعت الدول العربية المؤثرة جميعاً لتجنب هذه الحرب، والسعي بكل الطرق السياسية والدبلوماسية لنزع فتيلها، وجاء التدخل الأميركي بين الطرفين في تهدئة الأجواء ونزع فتيل التصعيد فجاءت الضربة الإسرائيلية محدودة واستوعبتها إيران، وعسى أن ينتهي التصعيد عند هذا الحد.

تشهد المنطقة اتجاهاً قوياً نحو التنمية والازدهار والتسامح وبناء المستقبل، وتقوده دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية والإمارات، هذا النموذج المبهر جاء السابع من أكتوبر لتخريبه عبر خلق مزيدٍ من الفوضى، وقد كتب كاتب هذه السطور قبل عامٍ أن هذا التهور السياسي والعسكري يراد به ضرب النموذج الجديد في المنطقة، والذي باتت جماهير ما يسمى «محور المقاومة» نفسها تهتف حينذاك بأسماء قادة هذا النموذج الجديد وتطالب بنجاحاتٍ توفر كرامة المواطن وتفتح آفاق المستقبل له ولأبنائه في استقرارٍ وأمنٍ ورفاهية، فيما كادت خرافات ذاك المحور تذهب أدراج الرياح، ولكنهم اختاروا خلق المشاكل الكبرى، وإن أدت إلى مجازر وإبادة جماعية وتدميرٍ آلاف القتلى الأبرياء، وهكذا جرى في عامٍ واحدٍ فقط.

زمن المغامرات غير المحسوبة انتهى، والإصرار عليه إنما تفعله جماعاتٌ وأحزابٌ تنتمي للإسلام السياسي ولا يعنيها استقرار الدول ولا أمن الشعوب في قليلٍ ولا كثيرٍ، وهي أثبتت على مدى عقودٍ من الزمن أن لديها التبريرات الدينية المتطرفة التي تبيح قتل الآباء والأمهات، فضلاً عن الأبرياء من الشعوب والمجتمعات، ولديها القدرة على اتخاذ القرارات التي تحرق عشرات الآلاف من البشر من الشعوب التي تنتمي لها، لا من أعداء تلك الشعوب. أخيراً، فصراعات المنطقة معجونةٌ بالتاريخ، دينياً وقومياً وعرقياً وطائفياً، ولا يمكن طي صفحاتها بالأماني، بل بالفكر العميق والعمل الاستراتيجي الواعي.