د. عيدروس النقيب يكتب:
ماذا يجري في حضرموت؟
حضرموت كائن خرافي من الصبر والسكينة العاقلة والابتهاج النبيل والغضب المشروع.
حضرموت موطن الأساطير وارض الأنبياء ومعمل إنتاج الفكر ومشتل زراعة التسامح والانفتاح والتعايش وناشرة الحضارة والوعي المدني والديني في أرجاء واسعة من المعمورة، لم تكن غافلةً عما يعتمل معها او بها او ضدها.
سمعت النكتة التالية من الرئيس علي صالح شخصيا في أحد اللقاءات غير الرسمية، عن حديثه مع العم سالمين (في حضرموت)، عندما سأله (الرئيس) عن رأيه في الوحدة فكان رده مغموسا ببساطة الحضرمي وذكائه وفطنته:
قال العم سالمين:
-الوحدة زينة، بس طَوَّلت (بتشديد وفتح الواو)!!!
ما استمع إليه الناس اليوم على لسان المحافظ اللواء فرج البحسني، وبقية المتحدثين في اللقاء الموسع المنعقد في مدينة المكلا ليس جديدا والجديد فيه أنه أظهر إلى العلن، وهو خال من أي مظهر من مظاهر التشدد او التعنت أو حتى التهديد.
يمكن تلخيص المشهد في حضرموت في النقاط التالية:
1. محافظة منتجة للبترول ومشتقاته، فضلا عن إنتاجها من الخيرات الأخرى، السمكية والزراعية والمعدنية (المعلنة والسرية).
ويقول بعض الاقتصاديين، ان ال 75٪ التي تُرفَد بها ميزانية الدولة (اليمنية) من الجنوب، 75 منها من حضرموت أي ان حضرموت ترفد ميزانية الدولة بما يقارب أكثر 56٪ من الإيرادات.
2. وبمقابل ذلك فأهل حضرموت لا يحصلون من هذه الخيرات إلا النفايات الملوثة للبيئة.
وقد تحدثت مصادر عن انتشار العديد من الأمراض المستعصية والاوبئة المضرة بالإنسان والحيوان والنبات وكل مكونات البيئة في مناطق إنتاج النفط ومشتقاته.
3. إلى جانب ما تفتقر إليه معظم مدن وأرياف حضرموت من خدمات أساسية فإنها تفتقر إلى الكهرباء والوقود (الذي تنتجه) وتعيش معظم مناطقها في ظلام دامس وتعاني من كل ما يترتب على نقص الكهرباء من آلام وخرائب وتعطيل للخدمات.
4. في مديريات الوادي والصحراء تنتشر عشرات الألوية التي لا يصل عدد الحضارم فيها إلى ما يساوي عدد اصابع اليدين، وإذا ما زاد فقد لا يزيد عن عدد أصابع اليدين والرجلين.
وبالمثل ليس بين العاملين والحراس على مواقع إنتاج النفط إلا ما يقترب من عدد العساكر الحضارم.
5. قال لي أحد الزملاء البرلمانيين الذين شاركوا في الاجتماع اليتيم لمجلس النواب (المؤيد للشرعية) في مدينة سيئون: إن أكثر من عشر طائرات درون اطلقها الحوثيون لاستهداف اجتماع سيئون، الذي شارك فيه الرئيس ونائبه ووزراء وسفراء، ولم يتصدَّ لها إلا القوات السعودية التي قدمت خصيصا لهذا الغرض، أما عشرات الألوية (الشرعية) فقد كانت منشغلة بما لا يعلمه إلا الله، وقادتها.
وباختصار فحضرموت بساحلها وواديها ليست سوى بقرة حلوب تسكب ذهبا في خزائن ناهبي الثروات ومعسكر كبير لعشرات الآلاف من الأشقاء الذين قدموا صبيحة 7/ 7 ولم ينتقلوا من هناك حتى اليوم، لكنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة لا على الحوثيين ولا على القاعدة وداعش، مع الإقرار بمهارتهم في تصيد المواطنين والناشطين السياسيين من ابناء حضرموت بما في ذلك رجال الأمن.
بعد كل هذا أليس من حق أبناء حضرموت أن يرفعوا سقف وسائل النضال من أجل نيل القسط الأيسر من حقوقهم كمنتجين للثروة أو على الأقل كمواطنين يقعون تحت الاحتلال ينبغي على دولة الاحتلال أن توفر لهم ظروف الحياة الكريمة التي يوفرها المستعمرون لمواطني مستعمراتهم.؟
الصرخة الحضرمية ليست جديدة وقد بدأت بذورها مباشرة بعد العام 1997م وتنامت يوم قتل الشهيدين بن همام وبارجاش بعيد حادثة "اغتصاب المكلا" ثم إخفاء المناضل حسن باعوم واعتقال الفقيد المناضل فؤاد بامطرف، وانصهرت هذه الصرخة الحضرمية في بوتقة الثورة السلمية الجنوبية.
وأخيرا، "قفل البزبوز" ليس سوى وسيلة سلمية أخرى تؤَكد ما كان قد قاله ذات يوم محافظ حضرموت السابق، رئيس الجمعية الوطنية الجنوبية اللواء احمد سعيد بن بريك، ويبدو انه قد يبدو خيارا وحيدا أمام أبناء حضرموت وقواهم السياسية ومكوناتهم الاجتماعية على طريق حقهم الحر في التصرف بالثروة والسلطة شأنهم في ذلك شأن كل الجنوب والجنوبيين.
فللصبر حدود وحضرموت مثل كل محافظة جنوبية، لن تصبر إلى الأبد.