د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

إلى متى سنظل نبحث عن هويتنا الضائعة ونحن من اضاعها؟ 3-3

الآباء والأجداد أفضل منا نحن جيل المدارس رغم أنهم لم يتعلموا مثلنا ولم يحصدوا الشهادات كجيلنا الذي فشل عدة مرات في خياراته المستقبلية لتحديد ما يريد !!
- جيلنا ومن هم أكبر منا سنا من جيل الخمسينات والستينات وحتى جيل السبعينات فشلنا جميعا في الحفاظ على الهوية الوطنية واستقلال الجنوب العربي و كان من السهل اختراقه من الداخل والخارج لأنه قفز بعيدا على ثوابت الإسلام والعروبة وتاريخ آبائه وأجداده بل وأعتبر تاريخه مجرد أساطير كهنوتية ونظاما إقطاعيا طبقيا ولم يتجاوزه فحسب بل حاربه دون أن يقرأ تركيبته وتوازناته التي مكنته من مقارعة الاستعمار و أئمة اليمن وحكامه منذ فجر التاريخ ورغم أعاصير الحروب التي تعرض لها الجنوب طوال تاريخه من ممالك اليمن القديمة إلا أنه ظل محافظا على استقلاليته رغم تعدد ممالكه القديمة مثل : أوسان وقتبان ومملكة حضرموت في شبوة ،وفي العصر الحديث سلطناته وإماراته التي تجاوزت ال20 في مطلع القرن العشرين إلا أن رؤية الجنوب ظلت موحدة للدفاع عنه تجاه من يريد العدوان عليه !!
- وتاريخ الجنوب حافل بتلك الصراعات التاريخية التي طالت اجتياحه وإخضاعه ثلاث مرات فقط عندما أستغل الشماليون ضعفه والصراعات الداخلية على الحكم ونفذوا من خلالها إلى اجتياحه.
ومنذ الستينات كثيرة هي الهزائم التي تلقيناها, على أيدي شلة غوغائية من المراهقين ساقوا بلدنا الجميل " الجنوب العربي "إلى هاوية الماركسية التي فشلت في مهدها ..و كثيرة هي الأحلام والفرص التي أضعناها، كنا نحلم بأن نقيم مجتمع الحرية والعدل.. وما زلنا حتى الآن نكتفي بالحلم , وانتهى القرن وقد وجدنا أنفسنا في الحضيض وترحمنا على أيام الاستعمار !!
ولا زلنا نبحث عن الوطن و الهوية وطريق الخلاص والأمان وعن الأصالة والتجديد, وعن مكانة المرأة وكرامة المواطن والعدالة والمساواة والحرية وعن الشورى والديمقراطية، ولم نحصد سوى صفير الرياح ونار الحروب والفقر والأمراض و المجاعة التي تضرب الوطن من باب المندب حتى المهرة , وخيرات الوطن يجري إنفاقها وتبديدها لحسابات جيل من اللصوص ما زالوا يبيعون الوطن لكل السماسرة والقوادين والقراصنة ولمن يدفع عمولتهم!!
ومع ذلك كله تبقى غالبية أبناء الجنوب تحن إلى الوطن والموت لاستعادة حريته وكرامته!!
وسأظل كجنوبي أحن إلى وطن جميل يتساوى فيه الجميع وله هوية واحدة ، هوية الوطنية لا المواطنة ، هوية التراب لا رقم الحساب ، هوية الوفاء والولاء للوطن والقيادة الوطنية المخلصة لا هوية الولاء للكتب الحمراء والصفراء ولا لخطباء المنابر والغرباء من أئمة الضلال ..ويكون خاليا من الخونة والعملاء !!
احن إلى وطن فيه حكومة للجميع لا تعرف القبلية ولا العنصرية ولا الأعراق والألوان ولا الشللية ولا جلساء السؤ وندماء المساء ، حكومة تجمع بين الوعي والكفاءة وسعة الأفق والسياسة ، حكومة ليس فيها عاجز أو متخاذل أو فاسد أو جاهل أو جبان ، حكومة تفكر للوطن ولا تكون عبئاً عليه ، حكومة تعرف معنى الشهادة في سبيل الوطن وحماية الثغور وتقدر العيون الساهرة ولا تخذل البسطاء ، حكومة تعرف أوجاع الفقراء والمعدمين وتحاسب اللصوص والمجرمين .
أحن إلى وطن تطبق فيه سيادة القانون ، ويحكم فيه القضاء بالعدل دون تدخل أو تأثير ، وتكون فيه المساءلة دون قيد أو حصانة أو تحصين ، وطن يكون فيه الكسب غير المشروع جريمة لا تغتفر بحق الوطن .
أحن إلى وطن يكون فيه برلمان بمستوى طموحات الوطن والشعب برلمان فيه أطياف وفسيفساء سياسية واجتماعية ووطنية لا برلمان يمثل : عائلات ومناطق وقبائل وأعراق وطوائف وأحزاب موالية للخارج وليس للوطن ، برلمان يخرج فيه المتعصبون من ضيق القبيلة إلى أفق الوطنية الرحب برلمان يشرع بحكمة وحصافة ووعي لا برلمان لا يتقن إلا الصراخ والمهاترات تارة والولاء للخارج والانبطاح تارة أخرى .
أحن إلى وطن فيه أحزاب وطنية يكون انتماؤها وولاؤها لتراب الوطن المقدس ..وليست دكاكين ووكالات فرعية للخارج !!
وطن متسامح ومتصالح مع نفسه ومع محيطه وواقعه لا وطن مرتهن ، الوطن لأبنائه جميعا دون استثناء الوطن أنت وأنا، ومن سيكون، الوطن هو مزارع تعب وعرق ليُطعم جائعاً، الوطن حارس حقل قمح، الوطن حاكم لا يسرق ولا يرتشي الوطن هو الجيش والأمن . قد يقول قائل : ولكنها أحلام قد لا تتحقق وأقول له : بالكفاح والمثابرة يمكن تحقيق المستحيل ، وبعد هذا كله ، أليس من حق الوطن أن يحاسبنا و يسألنا : ماذا قدمتم ؟
ماذا فعلتم، وإلى أين تمضون، كيف تروني مغنماً، وحين الحاجة تفرون هاربين إلى غير رجعة؟
الوطن، نعمة، فمن لا وطن له، فهو بغير كرامة، بغير قيمة إنسانية، الوطن عزنا وفخرنا وأقصى أمانينا أن يكون الوطن عزيزاً قوياً معافى،يستظل به الجميع
آمن مستقر، نحميه بقلوبنا ونفتديه بأرواحنا ، لا نخونه ولا نبيعه ، الوطن يجري حبه في أوردتنا ونردد أناشيد حبه بمزامير الخلود أو كما قال الشاعر:
العينُ بعدَ فُراقها الوَطَنا لا ساكِناً ألِفَت ولا سَكَنا
رَيَّانةٌ بالدَّمع أقلقَها ألا تُحسُّ كرى ولا وَسَنا
د.علوي عمر بن فريد