فيصل الصوفي يكتب:

خطط الاستبعاد والاستئصال الحوثية

كفَّر الإمام عبد الله بن حمزة، طائفة المطرفية الهادوية (أتباع الفقيه الزيدي مطرف بن شهاب العبادي) ثم استأصل الطائفة كلها، في القرن السادس وأول السابع الهجريين.. قتل الآلاف منهم وسبى نساءهم وصادر أموالهم وخرّب بيوتهم ومساجدهم في وقش وسنع وغيرهما، لمجرد أن هذه الطائفة قالت بمبدأ الإحالة والاستحالة، وأن الكائنات تتطور، وأن أصل المطر من البحار.. أباد بن حمزة طائفة زيدية هادوية كبيرة ومحا أثرها من الوجود، لأن أفكار وآراء رجالها لم ترُق له، على الرغم من أنها صحيحة من الناحية العلمية.. وفي وقت لاحق افتعل متعصبو الهادوية وجهلتها، فتنة دينية كبيرة، تطورت إلى نزاع مسلح في صنعاء وما حولها زمن الإمام الشوكاني، وكان السبب أو الذريعة ظهور بوادر سنية! وفي القرن العشرين أهلك الإمام يحيى سكان قلعة المقاطرة، وسبى النساء والأطفال، واستحوذ على ممتلكاتهم، وأكره الأحياء على المسير أياماً سيراً على الأقدام، وهم يحملون رؤوس القتلى التي تعفنت في الطريق، وكان المبرر أن نخباً في المقاطرة كانت تنادي بالمساواة بين الناس، ومساواة الذكور والإناث في الحقوق، ولمغزى غير خفي أطلق اسم حميد الديك على الزعيم المقطري حميد الدين!

كنا نحسب أن عمليات استبعاد واستئصال قوية كهذه بدوافع صغيرة لا يطلبها ذلك العنف غير المبرر والمسنود بإجراءات مصادرة الممتلكات وتدمير العمران، قد أصبحت من عاديات التاريخ، فإذا بنا في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، نرى عمليات استبعاد واستئصال تفوق تلك على المستويين الكمي والكيفي، وهذه المرة على يد الجماعة الحوثية.

عمليات الاستبعاد والاستئصال الحوثية ليست رد فعل ولا هي تسلية، بل عمليات مقصودة ومخططة بعناية من قبل جماعة دينية متخلفة متعصبة لا ترى سوى نفسها.. ولا حظوا أن كل فئات المجتمع اليمني باتت موضوعاً لهذه الجوائح الحوثية.. المخالفون للجماعة في الرأي، وفي المعتقد، والخصوم السياسيون، والمهمشون، مثلاً، صاروا موضوعاً لصنوف شتى من تدابير الاستبعاد والاستئصال والنهب والتهجير والقتل والاستعباد، لكي تبقى هذه الأرض خالصة للحوثية دون سواها.

كان اليهود اليمنيون يعيشون في منطقة آل سالم بصعدة قبل وجود الجماعة الحوثية بنحو ألفي سنة، فاستأصلتهم الجماعة، ثم تتبعت يهود ريده واستأصلتهم، واستحوذت على ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة، وألجأتهم إلى ترك موطنهم والهرب إلى إسرائيل، ومن لم يسعفهم الحظ صاروا في محبس مدينة العمال عرضة للازدراء والتخويف والعزل.. شيء مثل هذا لم يحدث في تاريخ اليمن.. وفي نهاية الأمر التفتت الجماعة إلى المهمشين، فأتمرت عليهم تحت لافتة أحفاد بلال المخادعة، ثم شرعت –بعد استدراجهم- في التخلص من عدد كبير منهم عن طريق إكراههم على القتال في صفوفها، وفي ذلك هلاكهم؛ نظراً لافتقارهم إلى الدربة على القتال.. أرهبت البهائيين بسبب معتقدهم، وفي النهاية وضعتهم أمام خيارين: إما الموت، وإما أن يجردوا من ممتلكاتهم وحقوقهم ويتركوا وطنهم، فاختاروا هذا مكرهين.. ونفس الإجراءات اتبعتها الجماعة الحوثية مع فئات اجتماعية رأت أن اليمن يضيق بها مع وجود هذه الفئات على الأرض، بما في ذلك خصومها السياسيون، وحتى ممثلي الشعب المنتخبين، حيث قررت لهم الموت، ولها ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة.. وما أكثر حالات الاستبعاد والاستئصال الحوثية، التي تتم تحت لافتة: وما اليمن إلا لنا وحدنا، مع الاعتذار للشاعر محمد محمود الزبيري.