محمد خليفة يكتب:
الإمارات منبع الثقافة والوعي
الرؤية العلمية للكون تشغل الساحة الثقافية لأرباب الفكر والنظر على مر العصور، فالنظريات الفلسفية التي توالت منذ القرن ال17، وحتى اليوم، تُدرس في جميع المدارس والجامعات، فتتفتح النفوس وتستنير العقول، ومنها اللحظة الديكارتية في تاريخ الفكر، والكانطية، وأتباع هيدغر، والحداثة، وما بعد الحداثة.
حاول بعض الكتاب والباحثين والمفكرين أن يقفوا على المعاني الأساسية، والقيم الأصلية، والتصورات الكبرى في تاريخ الفكر العربي بغية خدمة الحاضر والمستقبل. وتوجد مشاريع متكاملة الأركان في دولة الإمارات، وبالأخص القضايا المتعلقة بتاريخ تكون الفكر السياسي والاجتماعي والثقافي، وما طرأ من تطورات الفترة الماضية، وذلك لفهم عميق لطبيعة جريان الأحداث السياسية المشحونة بالأفكار والتفاعلات، وبناء مؤشراته الدالة عليه من خلال الكتاب في نقل المعرفة من سياقها الزمني ودمجها في تفاعلات ثقافية واجتماعية، ولاسيما ما يتعلق بالآليات التي تفرضها طريقة التفاعل المباشر مع الوقائع والأحداث.
ولا شيء أثمن من الكتاب، ولاشيء أفضل منه، فلا يمكن أن يرتقي الإنسان، أو يتخلص من عقد الفطرة ما لم يقرأ ويبحث في تاريخ الفكر والفعل والسلوك الإنساني، وما ينتجه من وقائع وأحداث وظواهر تاريخ الأفكار. وعلى الرغم من أن الدراسة في المدارس والكليات وسّعت مدارك البشر، وجعلتهم أكثر قدرة على التحليل والتركيب وتحليل الظواهر المختلفة، فإن الإحاطة بجوانب العلم تبقى مهمة صعبة ما لم يسع الإنسان للتوسع في القراءة. ومن هنا كان لا بد من وجود الكتاب ليمد الإنسان بما ينقصه من المعرفة والثقافة، لكن غالباً ما يكون الكتاب مفقوداً أو غير موجود؛ مما يتطلب الذهاب إلى مظان الكتب، ونعني بها المكتبات الضخمة الشاملة، وهذا أمر قد لا يكون ممكناً في معظم الأحوال.
وتعد مكتبة الشارقة العامة إحدى أهم المكتبات في العالم العربي؛ نظراً لما تحتويه من الكتب وفي مختلف صنوف المعرفة. وقد تأسست هذه المكتبة عام 1925، على يد الراحل الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وأطلق عليها اسم المكتبة القاسمية. وتم نقلها أكثر من مرة إلى أن افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في مايو 2011 المبنى الجديد للمكتبة في ميدان قصر الثقافة، وتحتوي المكتبة على أكثر من نصف مليون كتاب في شتى مجالات العلوم والمعارف والآداب بلغات متعددة، وتضم المكتبة حالياً خمس مكتبات فرعية في كل من كلباء، ووادي الحلو، ودبا الحصن، وخورفكان، والذيد.
وفي إطار السعي لإيصال الكتاب لكل محتاج في زمن كورونا، التي أثرت في جميع مناحي الحياة، ولاسيما المنحى الثقافي، فقد أطلقت مكتبة الشارقة، بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، خدمة إتاحة أكثر من ستة ملايين كتاب ومصدر معرفي رقمي مجاناً، وبموجب هذه الخدمة يستطيع الجمهور الاطلاع على هذه الكتب والمصادر المعرفية، المتاحة مجاناً بأكثر من 10 لغات. ويشمل المحتوى المتاح من مكتبة الشارقة أكثر من 30 ألف مقطع فيديو في شتى المجالات والتخصصات، و160 ألف كتاب إلكتروني، و5 ملايين رسالة جامعية عالمية، إضافة إلى 21 ألف محتوى علمي، إلى جانب عدد من المخطوطات، والكتب النادرة، والكتب الإلكترونية والصوتية.
وهذه المبادرة تأتي في إطار مبادرات الخير الكثيرة التي تقوم بها دولة الإمارات لتنمية المعارف محلياً وعربياً، فقد وجّه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بأن يكون عام 2016 عاماً للقراءة، وفي مبادرة تعد الأولى من نوعها على مستوى العالم، أصدر سموه أول قانون من نوعه للقراءة، يضع أطراً تشريعية، وبرامج تنفيذية، ومسؤوليات حكومية محددة، لترسيخ قيمة القراءة. كما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استراتيجية «تحدي القراءة العربي» وهي أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة في قراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي. ويهدف تحدي القراءة العربي إلى تنمية حب القراءة لدى جيل الأطفال والشباب في العالم العربي، وغرسها كعادة متأصلة في حياتهم تعزز ملكة الفضول وشغف المعرفة لديهم، وتوسع مداركهم.
وأيضاً، أطلقت دولة الإمارات، سياسة مبادرة تحدي الترجمة للتطوع والمساهمة بترجمة 11 مليون كلمة في مواد الرياضيات والعلوم والفيزياء والكيمياء والأحياء، حيث يتم إخراجها في 5000 فيديو تعليمي تتوفر للطلبة العرب من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر بشكل مجاني عبر منصة مدرسية. وهذا غيض من فيض مبادرات الخير التي تقوم بها دولة الإمارات بشكل مستمر وبما ينفع الإنسان في مختلف بقاع الأرض.