محمد خليفة يكتب:

الإمارات حصن العروبة والقيم

كانت دولة الإمارات منذ نشأتها، وما زالت، الحصن الحصين للعروبة والإسلام، فهي لم تدخر جهداً في سبيل رفعة أمتها، ونصرة قضاياها في شتى المحافل الدولية منها والمحلية. كما دأبت دائماً، من خلال تعاملها مع الجاليات الموجودة على أرضها، على تقديم نموذج سمحٍ للإسلام، ذلك الدين الحضاري، ولم تميز يوماً، على الرغم من اعتزازها بدينها وهويتها، في تعاملاتها الخارجية بين شعوب مسلمة وأخرى غير مسلمة؛ بل اعتمدت سياستها، منذ المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، على مد أيادي الخير للجميع من دون تمييز، ولذلك أصبحت موضع ثقة وتقدير مختلف الدول.

وكانت علاقتها بفرنسا قد تأسست على التعاون المشترك والاحترام المتبادل، الذي امتد ليشمل جوانب ثقافية مهمة أبرزها استضافة أبوظبي لمتحف اللوفر الفرنسي العريق، والذي تم افتتاحه في جزيرة السعديات في نوفمبر 2017، وبحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ألقى كلمة أكد فيها أن كلًا من فرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة شركاء في تعزيز روح التسامح، والمساواة بين الشعوب، ويعملان معاً من أجل تعزيز مفهوم التقارب الثقافي والإنساني بين مختلف الحضارات. ووصف متحف اللوفر بأنه، «جسر بين الحضارات».

وبالفعل فإن متحف اللوفر، أبوظبي، هو جسر للتواصل الثقافي والحضاري بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، وهو فكرة خلاقة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما وقع اتفاقية إنشاء هذا المتحف بين دولة الإمارات وفرنسا في أبوظبي بتاريخ 6 مارس 2007.

وتمر فرنسا اليوم بمرحلة مفصلية؛ حيث فعل التطرف، المنسوب جهلًا إلى الإسلام، فعلته، ودمر جسور التواصل بين الجالية المسلمة المقيمة على الأرض الفرنسية وبين الشعب الفرنسي.

ولأن القضية بدأت تأخذ أبعاد الصراع الإسلامي المسيحي، فقد كان لدولة الإمارات كلمتها دفاعاً عن نبي الإسلام، وحفاظاً على صلات التعاون بين الشرق والغرب، وفي هذا الإطار، فقد بحث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس إيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي عن إدانته الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها فرنسا خلال الفترة الماضية، ورفضه خطاب الكراهية الذي يسيء إلى العلاقة بين الشعوب، ويؤذي مشاعر الملايين من البشر، ويخدم أصحاب الأفكار المتطرفة.

وأشار سموه إلى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يمثل قدسية عظيمة لدى المسلمين، كما لفت إلى أن ربط هذا الموضوع بالعنف وتسييسه أمران مرفوضان.. هذا القول السديد يأتي معبراً عن الفكرة التي ترفض العنف، والنزعات المتلبسة بالعنف الغوغائي والمعادية للعقل.

ويأتي هذا الموقف متسقاً مع منهج العدل والرؤية الإسلامية للوجود. ويمثل هذا الموقف الإماراتي قمة الرقي الحضاري والإنساني، فالإمارات الوفية لمبادئها والمتمسكة بتاريخها وثقافتها لا يمكنها أن تنأى بنفسها، وهي ترى بوادر ظهور أزمة خطِرة بين فرنسا والعالم الإسلامي، وهذه الأزمة لا تخدم إلا مشروع التطرف الذي تحاربه الإمارات وتعمل على وأده.

إن الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين، وهذه الكلمة هي التي تتمسك بها الإمارات، وتعمل على تعميمها بين حضارات العالم المختلفة من أجل أن يعم الحب والسلام في الأرض، وفق الإرادة الإلهية، فالله سبحانه لم يخلق الشعوب المختلفة من أجل أن تتناحر، ويقتل بعضها بعضاً في حروب عبثية لا تنتهي بينها؛ بل خلقها لغاية أسمى وهي التلاقي والتواصل؛ حيث يقول جل من قائل في محكم تنزيله: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

إن التدين الزائف أخطر على الإسلام والمسلمين من الكفر البواح؛ لأنه يقدم صورة مشوهة عن روح الإسلام، ذلك الدين الخاتم الذي يجمع الإنسانية باختلاف مشاربها وأطيافها ومذاهبها تحت لوائه بأوضح صورة "لكم دينكم ولي دين". ومن الإجرام استغلال جهل هؤلاء الشباب المتحمس لخدمة دينه، وتوظيف هذه العاطفة الجياشة تجاه الدين، والطاقة الكامنة في نفوسهم للقتل والتدمير بدل الحب والبناء، إن فعل الحب أقوى وأبعد أثراً من القتل والخراب، وهذا ما تقدمه الإمارات في رسالتها، من خلال ما تقدمه للعالم من صورة نقية للإسلام تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تتحاور لا تتجادل أو تتقاتل فهل يعي الجهلاء هذا الدرس؟ وهل يفهم المغالون هذه الرسالة؟