عبدالواسع الفاتكي يكتب:

التعليم في الوطن العربي بين مطرقة الإهمال وسندان الاستثمار !

يعاني التعليم في بلداننا العربية من أزمات متجذرة، ومعضلات متعددة متراكمة، ساهمت في تأخرنا عن بقية شعوب المعمورة في شتى المجالات ، أخرجت مؤسساتنا التعليمية أجيالا سلبية لا تحمل عقليات ناقدة لها رأي أو صاحبة مواقف ،  بل أنتجت أفرادا بعقليات منسوخة وبمشاعر مكررة ، كما يريد النظام السياسي للسلطة  العربية الحاكمة ، ومن ثم طبعت الأجيال بطابع خاص، وأصبحت عبارة عن استنساخ لنمط معين تم تحديد شكله مسبقا.
رغم امتلاك بعض دولنا العربية إمكانيات كبيرة ، تؤهلها للقيام بنهضة تعليمية شاملة ، ستنعكس إيجابا على ازدهارها وتقدمها ، وحل كثير من معضلاتها الاقتصادية والسياسية ،  إلا أنها ركزت على الشكل على حساب المضمون ، حيث استوردت التكنولوجيا والتقنيات التعليمية الحديثة، وهذا الأمر على أهميته   إلا أنه لا يكفي لتحقيق نهضة تعليمية شاملة بالشكل المطلوب ، لقد أغفلت هذه الدول جزءا مهما هواستلهام الأسس والأفكار والفلسفات التعليمية ، الكامنة وراء هذه التقنيات ، وصولا لمرحلة الانتاج لها ، كما أن مناهج كثير من المواد الدراسية ، تقدم كمواد معرفية بحتة ، يقيم الطلاب في مدى استحضارها وفهمها،  عبر وسائل معظمها تقليدية ، والأحرى ألا يتم الاكتفاء بذلك ، بل يجب  إعطاء الطلاب المواد المعرفية مصحوبة بالمجال الفلسفي والفكري لتلك العلوم ؛ كي يتمكن الطلاب من هضم المعرفة هضما مرتبطا بمجتمعهم ، وما يحتاجه في مضمار التنمية الشاملة المستدامة.
يلاحظ أن بعض بلداننا العربية تركز في برامجها التعليمية  على العلوم الإنسانية ،  على حساب العلوم التطبيقية ، ولذلك فهي تعاني من نقص كبير في الأيدي العاملة المدربة ، التي يحتاجها سوق العمل ؛ فتلجأ لاستيراد كوادر من الخارج لتغطية احتياجاتها، ناهيك عن أن خريجي العلوم الإنسانية جلهم حفظة فقط، ليسوا منتجي معرفة ؛  أي أنا أمام أشخاص يرددون ما قاله الآخرون ، لايسعون لإضافة جديد ، وبالتالي فنحن أمام سلم تعليمي ، لا يحرص على إنتاج مفكرين ، ورفد المجتمع بطاقات إبداعية ذات فكر خلاق.
 في معظم البلاد العربية لا يوجد تجديد في البناء المعرفي المنهجي ، فهناك نظريات ومبادئ علمية ، مازالت تدرس ، عفى عليها الزمن، إضافة لتضمن مناهجنا مبادئ وقواعد تعليمية غربية ، يتلقاها الطلاب جاهزة ، دون مراعاة بيئتنا التعليمية وخصوصياتها ، ناهيك عن عدم ملاءمة بيئتنا العربية لها بسبب رداءة وضعف الإمكانيات والخبرات.
هيكل مؤسساتنا التعليمية العربية  جامد متصلب رتيب لا يكيل اهتماما للفروق الفردية،  ولا يراعي الموهوبين كما ينبغي ، ولايوفر لهم المناخ المناسب للإبداع ؛  فيلجأ معظمهم للبحث عن بيئة ومناخ يثمن قدراته وإمكانياته ويحترم تألقه ؛ ولذلك ارتفعت وتيرة هجرة العقول العربية لأمريكا والبلدان الأوروبية.
التعليم الخاص في الوطن العربي في مجمله ، يركز على الشكليات والكسب الاستثماري السريع ، وعيوبه تكاد تتطابق مع عيوب التعليم العام ، كما أنه أضحى في بعض الدول التي تعيش صراعات حزبية أداة من أدوات التأطير للنشء، وإعدادهم مستقبلا لمعارك سياسية مع هذا الطرف أو ذاك ، ولا أبالغ إن قلت :  إن التعليم الخاص في الدول التي تعيش احتقانات حزبية هو جزء من الاستثمار السياسي والاقتصادي للأحزاب ،  ومركز من مراكز نفوذها ؛ إذ أن حقل التعليم في تلك الدول بات ميدانا من ميادين الصراع الحزبي والسياسي .
الدول العربية  التي تعاني من صراعات واحتقانات داخلية ، تصرف جل ميزانيتها على الجيش والأمن ، ولا يحظى التعليم فيها بالاهتمام المناسب ، ومن ثم تكن مخرجاته متدنية ضعيفة لا تتناسب مع العصر ومتطلباته ، فتهتم بالكم المترهل على حساب الكيف المؤهل فنصبح أمام أعداد كبيرة من الخريجين الغير صالحين للعمل في السوق المحلية أو الأجنبية ومن ثم تلجأ تلك الدول لفتح أبوابها للعمالة الأجنبية.
منذ ما يقارب عقدين أو ثلاثة عقود كانت هناك دول متخلفة ذات اقتصاد هش وبطالة متفشية ، وديون خارجية أثقلت كاهلها ، خرجت من هذا المأزق عبر نجاحها في معركة التعليم( ماليزيا أنموذجا) ، من خلال النأي به عن الصراعات الداخلية ، وربطه باحتياجاتها التنموية، فصارت في فترة وجيزة من الدول ذات الثقل الاقتصادي والسياسي الكبير، فهل سيتفيد العرب من هذه النماذج؟ ويوجهون معركتهم ضد الجهل ، ويستغلون مواردهم لمواجهة التخلف بدلا من تسخيرها لمعارك داخلية تفتت النسيج العربي ، وتقضي على هوية العرب وعمقهم الحضاري،  نأمل ذلك.
#عبدالواسع_الفاتكي