كرم نعمة يكتب:
ماذا يعني أن تحب وطنك؟
اختارت صحيفة نيويورك تايمز ذروة ساعات التصويت على انتخاب الرئيس لتطلق سؤال “ماذا يعني أن تحب بلدك؟” على فئات مختلفة من الأميركيين، بينما كانت المخاوف تتصاعد من شقاق متوقع، بغض النظر عمن سيفوز في منصب الرئيس.
هدف السؤال يحمل دلالته المباشرة ولا يتوارى وهو تقليدي وجد منذ أن وجدت الأوطان، لكن أهميته تكمن في لحظة إطلاقه، بينما لا أحد يعرف بعد من الفائز العائد ثانية إلى البيت الأبيض.
لم أجد في غالبية الإجابات التي كانت جميلة ومعبرة بدرجة عالية، مشاعر الضغينة والخلاف، كانت فلسفة حب البلد طاغية لا تذكّر بجملة “هذه هي أميركا المعاصرة” المتهكمة على كل جريمة تحدث في الشارع، أو انتهاك يقترفه رجال الشرطة بحق الناس.
وأجمعت الإجابات على التقارب بين فئات المجتمع وإن كان صعبا، لأن الاستياء من الآخر مهما كان يقتل فكرة حب الوطن.
أن تحب بلدك، في نظر متحدثة للصحيفة، يعني الرغبة في رؤيته أفضل مما هو عليه، ومساءلة أنفسنا عن التواطؤ في السماح بجعله أسوأ، لأن من الأهمية بمكان أن تكون صورة الوطن المثالية عندما يمنح الحب، الطعام، المأوى، الصحة، السلام، الازدهار… على قدم المساواة للجميع.
بينما بسّط آخر فلسفة حب الوطن، بالفخر في الانتماء إليه وألا يخشى مواجهة مشاكله، معبرا عن حبه لبلده تأسيسا على الحرية الصارخة التي يمتلكها الناس بالرغم من كل الخلاف الإثني والديني والسياسي، لأنه يرى أن الجميع مازالوا أحرارا إلى حد كبير في فعل ما يريدون!
فيما عبر آخر عن خيبة أمله من السياسيين الذين لا يفعلون شيئا في إدارة المشاكل وحلها. وعزاؤه في ذلك أن الناس قادرون على معاقبتهم لاحقا في الانتخابات.
سنجد مغاليا في أميركيته مثلما يوجد في أي بلد آخر عندما يكتب أحدهم أن وطنيته لا تتزعزع ولا يفرط بالوقوف الصارم للنشيد الوطني وارتداء الملابس المناسبة في الأعياد الوطنية، لأنه ابن رجل عسكري محترف!
ثلاثة متحدثين أجمعوا على حبهم لحريتهم الأميركية في الكلام والعيش، لأن الحرية هدية ثمينة، لكنهم مع ذلك لا يخفون خيبتهم بما يجري في البلاد إثر العنف المتصاعد بين المتظاهرين ورجال الشرطة.
ولا يعني حب الوطن لأميركي تحدث لنيويورك تايمز، الجلوس والاسترخاء والاستمتاع بالعروض السياسية المستمرة، بل بمحاسبة الحكومة على وعودها وممارساتها وعدم العمل على سد الفجوة بينهما. وقال “لا يمكنك أن تحب بلدك دون أن تحب مواطنيك”.
كان علي أن ألخص كل هذه الإجابات لأترك القارئ يقارن بقصيدة الشاعر الليبي عمر الكدي “بلاد تحبها وتزدريك”! أو جملة المتظاهر العراقي صفاء السراي “لا أحد يحب العراق بقدري” الذي دفع حياته ثمنا لها.