مصطفى منيغ يكتب لـ(اليوم الثامن):
المغرب لما يَرْغَب قَريب
الوطن الدَّائم الإستقرار ، مهما الوَضْع خارِجه تَغَيَّر ، بتُؤْدَةٍ ورَوِِيَّة يبني نفسه بما لديه تَوَفَّر ، لا يكلِّف مستواه تقليد أي بلد آخر ، ولا يتقلَّب مع مواقف حجم مهامها كأهمياتها مُرَتَّب مِن المؤثّر الأصغر، إلى المُشاع الأكبر ، إلى ما بين هذا وذاك على الظرف المَعْنِي أن يختار ، بل عكس ذلك تماماً متى عزم كان موقفه ثابتاً مُفعماً بالحزم قائماً على معالجة أي فعلٍ مُعاكِسٍ بغير إلحاق أي ضَرَر ، قد يُجامل أحياناً بما لا يُشكِّل على سياسته الرَّسميَّة أي خَطَر ، بما دَرَسَ كخبراء لهم وجود معرفة ٍبجميع الأقطار ، وما جرَّب به كتاريخ لم يترك جزئية إلاَّ وعنها فصَّل الخبر ، ليكون المدرك مُسبقاً بما قد يأتي متَى أي أوانٍ حَضَر ، بما يُصَاغ فحواه بيسرٍ أم بما رافق عن البوح بمستجداته تعسَّر ، مادام تفسيره للأحداث يتضمَّن تحليل البصيرة قبل البَصَر ، ومناقشة الفِعْلِ مِن جانبَي الفاعِلِ والمَفعولِ بعقل عاقلٍ مِن الأخيار ، ومَنْ معه رُتْبَة بعد رُتْبَة لغاية واضع القرار ، في انسجام مفيد وتنسيق رائد وانضباط لحظة التنفيذ الفوري البعيد النَّظَر. ما طَمَعَ في تأييد لباطلٍ مهما الأخير دَفَعَ وبالدولار ، وما نأَى عن مُناصرة الحق مهما استنجدت به أقرب كأقصى الأمصار ، ولا عن تقديم العون لأيّ مصاب عبر القارات تأخَّر ، إذا كُلِّف بمهمة انسانية أممية أدَّاها عن طواعية وباتقان شاعِراً بالافتخار ، فحازَ احترام الجميع مُحققاً لكلمته المسموعة بذات التقدير أكبر انتصار ، إنه المغرب الأمة والدولة اثنان في واحد مرفوع الرأس محفوظ الكرامة مصان الحاضر وفي المستقبل وضَّاح المعالم كالفَجْر ، قانِع بما حقَّق يقبل المزيد العائد بالحسنى والرخاء وضعية المجتهد مثله الحاصل عليها بالثابت المتطوِّر وليس المتحرِّك الظَّرفي ما يكاد يصل حتى يتبخَّر ، لم يُقِيم ما يتمتَّع به عن ثراء النفط بل عن عطاء الأرض بقوة عضلات شعبه في الأرياف وتدبير أطره الحكيمة في المجال داخل مدن لها جزء من ازدهار ، يخوِّلها للمزيد إن ساد مسؤوليها في جَناحَي التّشريع والتنفيذ الصَبر ، إذ لتقلُّب الأحوال الكونية امتحان لا يجتازه من الدول بنجاحٍ غير القائم النظام فيها على إلتحام الشعب بالدولة بإرادة لا تُقْهَر .
المغرب مثال يُحتذى به متى المفكِّر النَّزيه الذاهب بعمق الموضوع للمقارنة تدبَّر .
... أنقذَ المغرب نفسه بنفسه من أشرس و أفتك وأظلم استعمار ، المُمزِّق لكيانه شرّ تمزيق فيه العاقل يَحتار ، "إسبانيا" في الشمال و"فرنسا" في الجنوب وبعض دول أوربية تتقدمهم "المملكة المتحدة" في "طنجة" فهل ُهناك تشردم لدولة كهذا يصول على وقعه من طَغَى ولوحدة شعب دَمَّر ، أقوى جيوش العالم شاركت في غنيمة احتلال وطن ما طاب له العيش يوماً إلا وهو محرَّر ، فتحمَّل ما لا يستطيع غيره التعامل مع عقليات متباينة التكوين والتطبُّع تحكمه بالسوط والحرمان وكل اشكال الهوان ونقل ما زرعه المغاربة الابرار ، حَصادا مجَّانياً للعواصم "مدريد" و"باريس" و"لندن" وغيرها بغير كلمة شكر على لسانها تُذكر ، صَمدَ المغرب في وجه مَن ظنوا وجودهم مستمر على أرضه مدى الدهر ، فنهضت قطرات الدم في قلوب المغاربة ترتِّب نبضاتها على إيقاع واحد يُولِّد المقاومة صفوفاً تعاهد أصحابها على الكفاح ولو تكوَّنَ ممَّا سينبع من شرايينهم أطول نهر ، وهكذا عَرفت مدن "الفقصر الكبير" و"العرائش" و"تطوان" ملاحم جهادٍ دَوَّخَت جيش "إسبانا" وأرعَشَت أجساد عملائها الملطَّخة بنجاسة الخيانة وجعلت مقامهم فوق ارض جهة أحفاد مجاهدي معركة "وادي المَخازِنِ" تَغْلِي بحرارة لا تطيقها ارجلهم ولا تستحمل صدورهم استنشاق غضب المُقاومين ورجال التحرير الملفوفة ارواحهم بعناية المانحين لها فِدَى الوطن الحر و ابنائه الأحرار ، فتحقق لهم ما خلَّده التاريخ المغربي بيوم 18 من نوفمبر .