د. علي الخلاقي يكتب:
أطهر بقاع الأرض في أجمل لوحة للفنان زكي يافعي
انتهى الفنان العالمي زكي يافعي من انجاز لوحة زيتية جديدة لأطهر بقاع الأرض ومهبط الوحي، مكة المكرمة وقلبها النابض البيت العتيق، الذي قال فيه الله تعالى: [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين]، ويعتبرها الرسام- كما صرح بذلك- الأهم من بين كل أعماله الفنية الكثيرة، وتتميز بمقاسها الكبير جداً [140×230سم].
إنها لوحة فنية بارعة حقاً، أُولع بها وأودع فيها عصارة فنه وجميل إبداعه، وأحبَّها من شَغاف قلبه، وجسَّد فيها بكل الحب مهابة وروحانية المكان المحبَّب لمئات الملايين من المسلمين ممن تهفو قلوبهم إليه ويتجهون إليه في كل صلواتهم كل يوم، وجمع في هذه اللوحة البانورامية الكبيرة بين جمال ومهابة المكان ودقة الإبداع، وروحانية المشهد.
عكف الفنان العالمي زكي يافعي على إبداع لوحته الجديدة بطُول أناةٍ وبتروٍّ وتمَهُّل وصَبْرٍ، وعمل بلا كل أو ملل بدافع حبه لهذا المكان المقدس، معتمداً على محاكاة صورة قديمة، أبيض وأسود، للبيت العتيق ومحيطه المجاور، فأنغمس لأذنية لأيام طوال يعيد تشكيلها وبعثها بالألوان التي أعطتها رونقاً وجمالاً لا تخطئه العين. وكنا نتابع خطواته في الرسم باهتمام من خلال مقاطع الفيديو التي نشرها أثناء انهماكه في عمله، وانتظرنا بشوق لحظة إنجازها.
شخصياً لفت انتباهي حسن اختيار الصورة القديمة للبيت الحرام وهو يبدو في هذه اللوحة الآسرة للألباب بكامل أبهته ومهابته الروحية وجلال وعظمة مكانته وسمو مآذنه التي كانت حتى عهد قريب الأرفع على محيطها من المباني السكنية قبل أن تحيط به الأبراج التجارية والسكنية التي أحكمت الحصار حوله من كل الجهات وضيِّقت طرق الوصول اليه وأخفته عن أعين القادمين إليه، بعد أن كان يتراءى لهم بمآذنه من بُعد.
حالياً لم يعد من الممكن أن تراه بهذا البهاء والسمو كما في هذه اللوحة التي اختارها بعناية فناننا الرائع زكي يافعي ليؤرخ بريشته لمكانة ومهابة وعظمة المسجد الحرام قبل أن تخطف الأضواء منه تلك الأبراج التجارية والسكنية العالية في محيطه المجاور التي تنافس بماديتها مهابة وروحانية بيت الله الحرام، بل وتعيق وتعقد أي توسعات مستقبلية تتطلبها وتفرضها الأعداد الكبيرة من المسلمين القادمين من أنحاء المعمورة للحج أو العمرة والذين تتزايد أعدادهم كل عام مع سهولة وسرعة التنقل والسفر بوسائل أكثر حداثة.
تداعت هذه الأفكار وأنا أمعن النظر في لوحة البيت العتيق التاريخية التي أرّخ من خلالها الفنان لمرحلة أنقضت بطغيان الأبراج التجارية الرِّبحيِّة المزاحمة لأقدس وأطهر وأقدم بيت عتيق وإحاطتها به إحاطة السوار بالمعصم، حتى أن بعض الحجاج والمعتمرين-للأسف- يفضلون التقاط صوراً تذكارية لهم مع هذه الأبراج دون بيت الله الحرام، ويتباهون أن تكون خلفية لهم وهم في ثياب الإحرام، وقد يضعها البعض صورة لصفحاتهم في وسائل التواصل الالكتروني.
فتحية تقدير لصديقي الفنان العالمي زكي يافعي لحسن اختياره ولروعة وجمال الإبداع الذي وظفه بكل الشغف والحب في هذه اللوحة المتميزة التي حشد فيها تفاصيل دقيقة ومكثفة لأقدس مكان على وجه الأرض، وأظهره بأهبته ومهابته وروحانيته متألقاً في قلب محيطه المجاور، وسَتُخلّد هذه اللوحة الفنية النفيسة ضمن الأعمال الفنية العالمية الأثيرة.
وأختتم بأبيات قلتها في صديقي الفنان زكي يافعي مطلع نوفمبر الماضي:
حَيَّاك يا فنان ترسُم بالْكَلِمْ
لوحات ترقى بك إلى أسمى مقامْ
فنان يا كم بالمحافل قد رسمْ
بريشته خلّد مآثرنا العظام
أصيل في طبعه ومخلص للقيَم
بالفن يعكس موقفه نسل الكرام
حب الوطن مغروس في قلبه.. نعم
أديب ثم فنان متألق دوام
سفيرنا في الفن من أُوْلِيْ الهمم
زكي كمثل النجم يلمع في الغمام
وفي الخُلُق تلقاه دائم مبتسم
فنان شامل مثلما بدر التمام
اسمك ورسمك اشتهر بين الأمم
سلام لك يا فخرنا بين الأنام