د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

النفاق والكذب على الله !!

قيل أن أحد الخلفاء كان في رحلة صيد فرمى بسهمه على أحد الطيور فلم يُصبه فقال له وزيره  : أحسنت يا سيدي ، فالتفت إليه الخليفة غاضبا وقال : أتسخر مني وتهزأ بي لأنني لم أُصب الطير ؟؟ فرد عليه الوزير بمكر ودهاء : يا سيدي الخليفة لقد أحسنت إلى  الطير بأنك لم تقتله !!.
فالمنافقون والانتهازيون  موجودون في كل زمان ومكان مثل هذا الوزير ، لكن أساليبهم تختلف من زمن لآخر ..وعندما تتصدع منظومة القيم والأخلاق في المجتمع وعندما يكون مهيّأ لتقبّل ما يقوله المنافقون من أقوال كاذبة وتضليل وتدليس وتزييف يؤكد لنا أن من أخطر أنواع النفاق وأكثرها فتكا وتدميرا هو النفاق السياسي بكل أشكاله وأساليبه .
وكم من سياسي منافق بيننا ويتحكّم بمصير شعب كامل ومستقبل أجيال كاملة ؟؟
إننا جميعا جزء من المشكلة  فكلنا نعرف المنافق لكننا لا نمتلك الجرأة والشجاعة لمواجهته وتعريفه بحجمه الحقيقي وكذبه وزيفه ، لأسباب عديدة أهمها إن المجتمع مازال في سباته ولم ينهض ، هذا أولا ّ!!
وثانيا أن موضوع النفاق قديم قدم الدهر وان مسألة اجتثاثه ليست بالأمر الهيّن والسهل لأنه مرض استشرى في كل زاوية وفي كل مرفق وفي مؤسسات الدولة اليمنية خاصة في ظل المغريات التي يسيل لها اللعاب !!
وللقضاء على هذا الوباء  يتطلب النهوض بالمثقفين والأكاديميين والإعلاميين من غير المنافقين وكل حسب موقعه وتأثيره وكذلك إصلاح منظومة القيم والأخلاق التي أصابها التصدع نتيجة الظروف المعروفة والموضوع صعب وصعب جدا لكن ليس بالمستحيل ..والنفاق والكذب على الله هو أن نرتكب المعاصي ونمارس الفجور وإزهاق الأنفس البريئة ونشعل الحروب ونزرع الفتن في أوطاننا وندعي في الوقت نفسه أننا أكثر أمم الدنيا صلاحا و تقوى ، ونعزو فشلنا إلى أن نسائنا كاسيات عاريات في لباسهن ،ولا يسترن أجسادهن ويظهرن  مفاتنهن مما يوجب غضب الله علينا ،رغم أنهن أكثر نساء العالم سترا وحجبا لأجسادهن !!.
ندعي أننا الأكثر تدينا على وجه الأرض بينما نحن نمارس النفاق والشقاق ،والأكثر كذبا في السياسة ،والأكثر فسادا  في الإدارة ، والأكثر هضما لحقوق المرأة والأيتام وأكل أموالهم بالباطل ، وبعد هذا كله  نعزو الأسباب إلى البعد عن الدين وفساد الأخلاق  ..وكما قال الكاتب المغربي سعيد ناشيد:
النفاق هو أنهم يعلمون  علم اليقين وبالأرقام أن بعض المجتمعات  الإسلامية هي الأكثر فسادا أكثر من غيرها ثم يقولون للناس  : "إن سبب فساد الأخلاق لباس المرأة ، وليس  نقص الدين  " !!..
النفاق هو أن تطالب بتكثيف المناهج الدينية في المراحل  الدراسية بينما  تدخل أولادك المدارس الفرنسية والانجليزية ،وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية ثم تهاجر للعيش في بلد علماني والأحقر من ذلك كله  هو أن  تحرق أعلام بعض  دول الغرب وأمريكا في المظاهرات الغوغائية صباحا  , ثم تذهب في اليوم التالي إلى سفارات تلك الدول و تقف خانعا ذليلا في طوابير طويلة وتستجدي تأشيرات دخول  لك ولعائلتك !!
الفساد إذا كان رشوة لبائع ضمير فهو تسهيل لأعمالك وفهلوة ،وإذا كان تهريب مخدرات وبضائع مهربة ممنوعة تظل  في نظرك أقل خطورة من تنوره قصيرة أو قميص نوم ليس هذا فحسب ،بل هو أن تعتبر كل نساء الأرض ناقصات عقل ودين٬ وعورات٬ وحبايل الشيطان٬ وحطب جهنم .. !!!
ويتلون  النفاق في هذا الزمن الأعسر  فما بين النفاق السياسي بين صاحب الولاية   والمرتزق الفاسد والمواطن، والنفاق الديني ما بين الولي والمولى عليه (الشيوخ والكهنة دون استثناء)، والنفاق الوظيفي ما بين المدير والعاملين فدرهم نفاق يساوي حفنة من الطموح والترقي في المنصب، والنفاق الاجتماعي الذي تجاوز حدود التعبير والوصف؛ دخلت شعوبنا العربية في الإخفاقات المتتالية في  محاولة منها جني المكاسب قدر المستطاع؛ فاختلف بعدها الخطاب الرسمي داخل الجدران عن خارجها وارتعشت الأقلام بالزيف والتزلف والمدح المُعلن في حضرة صاحب القرار والشتم الموازي خارجه كطنين النحل وأفرخت المواقف المدافعين عن صاحب السلطة أو المال وتوجته بإكليل الظفر وقَلبت الشاشات الإعلامية والفضائيات الحقائق فأصبح الفاسد  ومغتصب حقوق الناس مصلحا و شريفا و صديقاً حميماً.
د. علوي عمر بن فريد