د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
عندما ظلمنا سلاطين الجنوب وظلمنا أنفسنا !! (1-4)
جيلنا والجيل الذي سبقنا في الخمسينيات والستينيات كلها أجيال حمقى في معظمها لم تقرأ تاريخ الجنوب واليمن وهو في أغلبه تاريخ دموي !!
..وإذا قرأته لم تفهمه ولم تستوعبه ،والسبب أنها كانت في معظمها شبه مغيبة أو في حالة انفصام بين الواقع والخيال عندما بنت قصورا من رمال وعاشت في عالم من الأحلام الوردية وانساقت خلف دعايات صوت العرب وأمجاد يا عرب !!
والذي دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو الصديق الشيخ فاروق المفلحي الذي طالب بإنصاف سلاطين وأمراء الجنوب العربي فقال (لقد كانوا صمام أمان لمجتمعاتهم وطالت رعايتهم وإدارتهم لها لما يزيد عن 800 عام في بعض الولايات . وأضاف :(لو تعمقت بالكيفية التي أدارت فيها تلك الأسر الحاكمة شؤون وقضايا مجتمعاتها لشعرت أن المعادلة كانت ذكية وحكيمة فأوجدت حالة من الرضا المستدام لتلك الرموز المخلصة والخيرة ) الخ ما جاء في رسالته من وقائع تاريخية غيبها المغيبون وأرادوا إعادة كتابة تاريخ الجنوب وفق أهوائهم وربطه باليمننة والهيمنة الزيدية دون أن يكلفوا أنفسهم ولو بقراءة سطور قليلة من التاريخ لاستيعاب الاختلاف الجوهري بيننا وهؤلاء القوم !ّ! ونقول لهم :
إن السلاطين هم الذين حافظوا على وحدة الجنوب وان تمثلت تاريخيا في كيانات منفصلة عن بعضها البعض ، ولكننا نشعر أننا دولة واحدة وشعب واحد نتنقل دون هوية ولا جوازات سفر وقد وحد كبار القوم رؤيتهم المشتركة معا ضد أي خطر خارجي يتهددهم!! وكلنا يعلم أن كل سلطنات وإمارات الجنوب العربي على المذهب الشافعي وسكانها من أهل السنة والجماعة دون مغالاة ولا تشدد وكانت حضرموت ومنارة العلم فيها (تريم ) تشع على الجنوب قاطبة وهي مدرسة التسامح والوسطية ونشرتها ليس في إمارات الجنوب العربي فحسب بل نشرت هذه المدرسة الوسطية قيم الدين الإسلامي السمحة في بعض أقطار آسيا وأفريقيا عندما هاجر التجار الحضارم إلى أندنوسيا وجزر جاوه وسنغافورة وماليزيا وبروناي وتايلند والهند ومجاهل أفريقيا . في الوقت نفسه كانت الدولة القاسمية الزيدية تتربص بالجنوب وأهله ، واستغل حكامها الخلاف الذي نشأ بين بدر بن عبد الله بن عمر وعمه السلطان بدر بن عمر بحصن سيؤن وقبض عليه وعلى ابنه محمد المردوف ..وضيق عليهما ثم أرسل بهما مكبلين إلى "حصن مديمه "وسجنهما فيه ، وطلب من عمه أن يخلع نفسه من السلطنة ، ولما وصلت تلك الأنباء إلى المتوكل إسماعيل في صنعاء بعث الرسل إلى السلطان الجديد ، طالبا منه أن يطلق سراح عمه، وعرض على السلطان أن يستمر سلطانا على حضرموت على أن يسند إلى عمه ولاية ظفار ولكنه رفض وساطته ثم أمر المتوكل بتجهيز جيش للزحف على حضرموت مستغلا الخلاف بين الأسرة الحاكمة بعد أن تواصل مع السلطان المعزول لغاية في نفس يعقوب وكانت عينه ليس على حضرموت بل على كل إمارات الجنوب!!
ولم يكن للجيش الأمامي من طريق إلى حضرموت غير العبور بأراضي سلطنات : البيضاء والعوالق ويافع والحوشبي والواحدي والفضلي والتي كانت إمارات وسلطنات مستقلة بعيدة عن سيطرة اليمن يحكمها سلاطينها المحليين الذين كانوا يدركون طموح الإمام لضم بلادهم تحت لواءه كما هو فاعل في حضرموت فرفضوا طلب الإمام واتصل سلطان البيضاء والظاهر حسين الرصاص بالسلطان منصر العولقي وبقية السلاطين وشرح لهم شكوكه ومخاوفه وأيدوه واتفقوا جميعا على رفض طلب الإمام وقد وصف الكبسي القتال المرير بين جيش الإمام ورجال القبائل فقال: (أمر الإمام في شهر صفر سنة 1065هـ الموافق 1654م بحشد الجنود إلى ارض بنير لإنجاد بدر بن عمر في حضرموت فرفضت بلاد الرصاص وحشدت القبائل واستعد الرصاص والسلطان منصر العولقي وقبائل يافع في نجد السلف) واختلط الفريقان في معركة حاسمة وقتل الرصاص وانسحب يافع إلى جبل العر وكذلك انسحب السلطان العولقي إلى بلاده ربما باتفاقيات سرية على أن يمر جيش الإمام أطراف بلاد العوالق إلى حضرموت دون المساس ببلادهم وفي خمسة شوال 1069هـ الموافق 1668م زحفت جيوش الإمام إلى حضرموت فدخل من مأرب وبيحان وأطراف بلاد العوالق ثم إلى واسط ونصاب وواصلت جيوش الإمام الزحف على حضرموت وبعد سقوط حضرموت عقد سلاطين الجنوب حلفا و اتحادا ضد حكم الأئمة يتكون من سلطان يافع العليا وسلطان يافع السفلى وسلطان العوالق العليا وأمير حالمين وتمكنوا من طرد الزيود من كافة أرض الجنوب وثارت كل قبيلة في إمارتها!! ولم يقتنع سلاطين يافع بمحاربة الإمام في حدود يافع بل ساروا لإنقاذ أهل السنة في حضرموت بعد أن استفزهم السيد علي بن احمد بن علي مولى "عينات" في سنة 1116هـ 1704م لمحاربة السلطان عمر بن جعفر الكثيري الذي انتحل المذهب الزيدي واستولى السلطان عمر بن صالح بن هرهرة اليافعي ب 6000 مقاتل على جميع حضرموت واستمرت الحرب سجالا بين سلاطين يافع وعسكر الإمام حتى انتصرت يافع واستقلت عن حكم الأئمة أما المناطق الشرقية فقد كانت جميعها مستقلة عن الحكم العثماني مثل الجوف ومأرب والعوالق وإجمالا فان الإمارات التي وقعت تحت حكم الدولة القاسمية هي: 1- عدن ولحج من 1054هـ إلى 1092هـ يساوي 38 سنة 2- إمارات الجنوب من 1065هـ إلى 1092هـ يساوي 28 سنة 3- حضرموت من 1069هـ إلى 1092هـ يساوي 23 سنة وبسبب الصراع على السلطة في صنعاء وضعف الدولة المركزية وسوء معاملة نواب الإمام وعماله لزعماء ومواطني الجنوب فقد دفعهم ذلك للتوحد وإعلان الثورة على الدولة القاسمية حتى استقلت كافة السلطنات الجنوبية وأجلت جيوش الإمام عن الجنوب بالقوة . وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد حافظ سلاطين الجنوب على استقلال أراضيهم منذ ذلك التاريخ حتى إبرام " صفعة الوحدة "عام 1990م التي وقعها الحزب الاشتراكي طيب الذكر !!..
وهنا وبعيدا عن المزايدات والشعارات نطرح السؤال التالي : من هم الذين فرطوا في أرض الجنوب السلاطين ،أم الماركسيين الذين باعوا الجنوب أرضا وشعبا ؟؟!!ومن خان الأمانة وفرط في الجنوب.. السلاطين أم البيض ورفاقه من الصبية والمراهقين ؟؟!! لقد اكتفى أولئك الصبية بخيالاتهم المريضة الساكنة في عقولهم ووجدان كل فرد منهم ..اكتفوا بعقولهم القاصرة بعد أن اغتالوا أهل الحل والعقد والحكمة من رجال الجنوب الذي أفرغوه من خيرة أبنائه رغم أنهم كانوا يذكرونهم ويحذرونهم أنهم يسيرون في الطريق الخطأ منذ غيروا أسم البلاد من الجنوب العربي إلى اليمن الجنوبية الشعبية ، ثم إلى اليمن الديمقراطية الشعبية !!
واليوم يجب أن يعترف هؤلاء الصبية بل ويعتذروا لشعب الجنوب ويجب أن نعترف بشجاعة أننا جميعا شاركنا في ظلم سلاطين وأمراء الجنوب وكان البعض يسخر منهم حتى في مجالسهم وهم صابرون محتسبون لا يسجنون ولا يقتلون ولا يتآمرون ولا يحقدون على أحد ..نعم لقد شنع عليهم الجميع وكان الأشد وطأة عليهم وظلما وافتراء الأحزاب الجنوبية دون استثناء التي عملت على تشويه سمعتهم إبان المد القومي العروبي الناصري وما جره على بلادنا من ويلات وكوارث حتى تسربت الماركسية وسكنت أرواح شباب الجنوب الذين لا هم لهم سوى ترديد الشعارات كالببغاوات دون فهم ولا دراية وقفزوا بطيشهم ورعونتهم على كل الحواجز في الدين و التاريخ والجغرافيا والثقافة التي لم تكن حاضرة في قلوبهم وعقولهم وكانوا مسكونين بالتقليد الأعمى وساقونا إلى الهلاك والدمار والخراب وللحديث بقية وهو مؤلم ولكنه ذو شجون .
والى اللقاء في الحلقة الثانية
د.علوي عمر بن فريد