د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

عندما ظلمنا سلاطين الجنوب وظلمنا أنفسنا !! (2-4)

أقولها بصراحة أننا قد ظلمنا سلاطين الجنوب عندما هبت رياح القومية العربية بعد ثورة يوليو في مصر عام 1952م ،وقامت الدعاية الناصرية من خلال صوت العرب بحملات تضليل كبرى ساهمت فيها كافة الدوائر الإعلامية المصرية مفادها أن كل الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي آنذاك عميلة وموالية للاستعمار وصدقناها ولاقت قبولا وشعبية كاسحة ..خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م ، ونسبنا ذلك كله للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ونسينا أن هزيمة العدوان كانت نتيجة ضغوط دولية وصراع على النفوذ بين الاستعمارين القديم والجديد ،وحتى لا نظلم الشعب المصري أو ننكر بسالته وتضحياته في صد ذلك العدوان .ولكن الشعوب العربية كلها كانت في حالة هيجان ثوري غير مسبوق مع اشتعال ثورة الجزائر والوحدة بين مصر وسوريا ...كان المواطن العربي ينام ويصحو على صوت العرب !!
نعود إلى الجنوب العربي وطننا الحبيب حيث كانت بريطانيا قد قررت الانسحاب من مستعمراتها شرق السويس بعد هزيمتها في الحرب!! .
قيام اتحاد الجنوب العربي :
تبنت بريطانيا جمع شتات إمارات الجنوب العربي في دولة واحدة تحت مسمى (اتحاد الجنوب العربي )حسب رؤية السير ويليام لوس المعتمد البريطاني في عدن آنذاك والتي بدأت في 11 فبراير عام 1959م بست إمارات جنوبية مؤسسة للاتحاد ورغم تطور نظام الحكم البرلماني والانتخابات الحرة في عدن ،إضافة إلى الفوارق الثقافية والنهضة العلمية والحضارية بين سكان عدن والإمارات الجنوبية إلا أن ذلك لم يمنع عدن من دخول الاتحاد بعد تردد عام 1963م . حتى وصل العدد إلى 20 سلطنة وإمارة إلا أن تلك الكيانات المجزأة استطاعت أن تقيم شكلا من أشكال الفيدرالية المتجانس والمتعايش فيما بينها ،رغم بقاء سلطنات الكثيري والقعيطي والمهرة خارج الاتحاد !!
وعندما بدأت تتبلور ملامح الدولة الاتحادية الوليدة سرعان ما عصفت باليمن رياح ثورة 26 سبتمبر عام 1963م تلاها مباشرة التدخل المصري في اليمن ، وقيام الحرب الأهلية بين الجمهوريين والملكيين وقد سبق ذلك توافد جموع هائلة من اليمنيين بحكم الجوار الجغرافي للبحث عن مصادر للرزق في عدن والهروب من الملاحقات السياسية خلال العهدين الملكي والجمهوري وقد أدى ذلك إلى عدم تناغم تلك الحشود الهائلة مع هوية الجنوب العربي بل شكلت عائقا لهويتها عكس غيرها من الجنسيات الأخرى التي انصهرت في المجتمع وأخذت تلك الحشود اليمنية تكرس نفوذها من خلال سيطرتها على النقابات والأحزاب السياسية مما ترتب على ذلك العديد من السلبيات منها :
- مصادرة التاريخ والهوية الجنوبية ويمننة الجنوب تدريجيا من خلال بعض الأحزاب .
– اتهام حكام الجنوب ورموزه السياسية بالخيانة والعمالة مستغلة النزعة القومية والوحدة العربية الرائجة في فترة الخمسينيات والستينات من القرن الماضي في ظل غياب الوعي والرؤية السياسية لدى الجنوبيين وتأثرهم عاطفيا بشعارات الثورات في مصر والعراق والجزائر ونتج عن ذلك تأسيس العديد من الأحزاب القومية مثل
- حركة القوميين العرب – حزب البعث العربي الاشتراكي – الحركة الناصرية . - رواج يمننة الجنوب في أدبيات ( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل ) هكذا تمت تسميتها في تعز عام 1963 م علما أن بريطانيا قد أعلنت أنها ستمنح الجنوب العربي استقلاله في مطلع يناير عام 1968 م .
- اندفاع القبائل في الجنوب خلف الدعاية الناصرية والمخابرات المصرية والتحاق المئات منهم في جبهات القتال مما احدث قلاقل واضطرابات في الداخل الجنوبي وخاصة في عدن عاصمة الاتحاد .
- سيطرة العناصر اليمنية على الجبهة القومية في تعز وعدن و ادعاء الجبهة الكفاح المسلح متسلقة على أكتاف قبائل ردفان كما ألغت ثورات القبائل الجنوبية في أدبياتها ضد الاستعمار البريطاني منذ أوائل القرن العشرين .
- قرار بريطانيا سحب القاعدة من عدن . - ضعف ولاء الجيش والأمن لحكومة الاتحاد .
- فشل محاولات تطوير الدستور الاتحادي . - فشل الرئيس عبد الناصر في دمج الجبهتين ( القومية والتحرير وكذلك الرابطة في كيان سياسي واحد ) وقد أدى ذلك إلى انتهازية الجبهة القومية والتفاهم سرا مع الانجليز لاستلام الحكم منفردة مقابل تخليها عن التعويض المالي البالغ 50 مليون جنيه إسترليني وقد أدى ذلك إلى اندلاع حرب أهلية في عدن بين التحرير والقومية أدى إلى هزيمة الأولى بعد أن أوعزت بريطانيا للجيش بالتدخل إلى جانب الجبهة القومية وساهم الانجليز في سقوط الاتحاد نكاية في مصر والسعودية . - عقد لقاء بين اللورد بيزفيك والمجلس الأعلى الاتحادي في فبراير 1966م وعندما عرف الوزراء بنوايا بريطانيا كان الشيخ محمد فريد العولقي أكثر حدة وصراحة عندما هاجم اللورد البريطاني وقال له:
- (إن حكومة صاحبة الجلالة تتصرف بطريقة مشينة وحقيرة ونعتقد أنها تتخلى عن مسؤوليتها وهذا يحمل وصمة عار سمها ما شئت )!!
- كان الرد البريطاني باهتا وخجولا وقال :(غير مستعد لتحمل تسمية حكومتي التي امثل بالشائنة)!! - رغم ذلك كله سعت بريطانيا في تنفيذ مخططها الإجرامي بتدمير الجنوب العربي.
- إعلان وثيقة الاستقلال في 30 نوفمبر عام 1967 م في جنيف بين بريطانيا والجبهة القومية تحت مسمى ( جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ) وكان العنصر اليمني حاضرا ممثلا في شخص عبد الفتاح إسماعيل وبذلك ضاعت هويتنا الوطنية واستلبت بمسمى الدولة الوليدة .
- إضافة إلى كل العوامل والظروف السياسية المذكورة أعلاه فان من أهم أسباب فشل تجربة الاتحاد هو تشرذم الإمارات الجنوبية في الاتفاق على حاكم واحد يجمعها رغم أن بريطانيا قد عرضت عليهم أن تنصب ولي عهد العراق الأمير الهاشمي عبد الإله ملكا على الجنوب لإسقاط حجة إمام اليمن بتبعية الجنوب له إلا أن أمراء الجنوب رفضوا ذلك العرض كذلك تم رفض العرض البريطاني الآخر بتنصيب السلطان علي عبد الكريم العبدلي سلطانا على الجنوب رغم أن الشريف حسين بن أحمد الهبيلي كان الأكثر دهاء وحنكة وسياسة لقيادة الاتحاد إلا انه لقي معارضة شديدة من بعض السلاطين داخل المجلس الأعلى الاتحادي .
- في 30 نوفمبر عام 1967 م أعلن استقلال الجنوب في جنيف وتم إسقاط اتحاد الجنوب العربي وإخراج السلاطين قسرا بإشراف بريطاني وتسليم الحكم للجبهة القومية وكانت بداية مرحلة الاقتتال الأهلي الجنوبي -الجنوبي وسقوط الهوية منذ ذلك الحين !!.
والى اللقاء في الحلقة الثالثة
د.علوي عمر بن فريد