مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):

 بريطانيا.. الاستعمار الذي حبب بنفسه

ورثت الهند نظامها البرلماني من الاستعمار البريطاني ، مما جعلها أكبر ديمقراطية في العالم  ، وبفضل التوافق السياسي الداخلي و المعرفة الهائلة للهنود بلغة المستعمرين الإنجليزية ، أصبحت الهند اليوم في المراكز العالمية الاولى  في الطب وعلوم الحاسوب و البرمجة والفضاء والصناعة ، في الوقت نفسه  لا يمكن لباكستان المجاورة أن تتباهى بديمقراطية مستدامة أو بالإنجازات الاقتصادية،  كما أن مصير المستعمرات السابقة الأخرى يتطور بشكل مختلف مثل سنغافورة الناجحة ، وزيمبابوي التعبانة ، التي تعاني الآن من كارثة اقتصادية او الجنوب العربي ، الذي عانى  بعد الاستقلال من صراعات داخلية انتهت بدخوله وحدة مع الشمال و مواصلة حالة البقاء محلك سر ، إلا من بعض المشاريع   "ما رحم ربي " منذ الاعلان عن الاستقلال  في30 من نوفمبر 1967 بدلا من 9 يناير 1968  ؟ 

كانت سمة السياسة الاستعمارية البريطانية  تتميز بتوسع ما يسمى بـ "الإمبراطورية غير الرسمية" ، والتي شملت دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مع الاحتفاظ بمدينة عدن كمركز وهمزة وصل للتجارة العالمية ،  فموقع عدن الاستراتيجي جعلها نقطة مهمة للبريد المار من مناطق المحيط الهندي وأوروبا ،  ولذلك كان هناك برلمان في عدن وتطوير مستمر للبنية التحتية للمدينة من مباني سكنية ومستشفيات و مدارس و شبكة طرقات ومجاري حديثة ، كما تم توسيع وتحديث قدرات ميناء عدن ،  واعطيت مساحة واسعة من الحرية الملحوظة للأعلام والصحافة جميعها اعطت عدن اهميه عالمية  وحاضنه  لكل الديانات والجاليات .

بعض من  الساسة الجنوبيين بعد الاستقلال  لم يقدروا قيمة الجوهرة التي حصلوا بعد انتهاء الاستعمار البريطاني للجنوب ، وبدلا من استغلال الوضع المزدهر لتلك الفترة  فضلوا الدخول الى ميدان فرض الأرادات السياسية  والشخصية  والسعي وراء تحقيق أهدافهم ومصالحهم ، والقفز الحاد على مزاج وسلوك جماهير كبيرة من الناس ، وتقسيم  السكان بين  الوطنين والعملاء حسب المزاج السياسي لها  والعداوة مع دول الاقليم ،  وبسبب هذا الوضع  أصبح انهيار الدولة الوليدة  ونظامها السياسي أمرًا واقعًا لا يحتاج لذكاء .

تشير تجربة الصراعات  الأخرى إلى أن اتفاقات السلام التي تبرمها النخبة والقيادات السياسية  فيما بينها ، و لم يدعمها جزء كبير من السكان كقاعدة عامة ، محكوم عليها بالفشل ، والجنوب اليوم و بعد 53 عامًا من انسحاب القوات البريطانية من عدن وتوقيع عددا من اتفاقات السلام الداخلية  ، لازالت الحرب جزءًا لا يتجزأ من حياتهم  ويعترف الناس بصراحة أن كل ما يحلمون به  الان هو العيش ولو قليلاً بسلام وعدم رؤية الأسلحة والتوقف عن الخوف على انفسهم وعلى أطفالهم.

يقول الكثير من سكان عدن ، ان  الانجليز كانوا أقرب إلينا في ثقافتهم وتقاليدهم  ، وعلى الرغم من تسميتهم بالمستعمرين ، ألا اننا كنا نفهم بعضنا البعض بشكل رائع  ، لقد شيدوا لنا بنى تحتية لازالت قائمة وتستخدم حتى اللحظة ، اما اليوم  فالحروب والصراعات لا تمنح الجنوبيين  الوقت حتى لبناء أي شيء يذكر ، لأنهم على طول مجبرون على القتال والمقاومة والدفاع .

تحية لتلك القلة الجنوبية الوطنية ،التي سعت لاستقلال  الجنوب من اجل الحرية و البناء، والمجد والخلود لكل شهيد قدم روحه بصدق من اجل الوطن .