كرم نعمة يكتب:
لا المقاطعة استمرت ولا قطر انتصرت!
استخدام عبارة “طي صفحة الخلاف” داخل مجلس التعاون الخليجي، بعد قمة العلا في السعودية، لا يعبر عن أي شيء حصل بالفعل! بينما تغيب “الدروس المستفادة” من كل الذي حصل سواء في الدوحة أو الرياض.
إذا استثنينا فتح الحدود بين السعودية وقطر، فلم يكن هناك أي اتفاق سياسي، ولم يكن هناك أي ذكر للتنازلات التي يقدمها أي طرف، إلا إذا اعتبرنا تراجع السعودية عن فكرة وضع “ملف المقاطعة مع قطر” في درج المؤجلات فكان هناك آنذاك ما هو أكثر أهمية منه يشغل الرياض وفق تعبير وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير.
لم يكن متاحا لوسائل الإعلام الاطلاع على ما جرى في المفاوضات، إلا أن القراءة القريبة تتحدث عن تعهدات غامضة لكل دولة باحترام سيادة الآخرين والسياسة الخارجية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهم البعض.
لذلك لا يحمل الحديث المشترك من كل الأطراف في القمة الخليجية عن الأخوة أكثر من تكرار لكلام سائد لا أهمية سياسية له، إذا استعدنا تصريحات العداء والتنكيل والتسقيط بين الطرفين منذ إعلان المقاطعة من قبل الرباعي العربي على قطر عام 2017 إلى قبل أيام من زيارة الشيخ تميم إلى السعودية.
وتبدو عبارة “طي صفحة الخلاف” أكثر إرهاقا، إن لم تكن فشلا، للسياسيين أنفسهم من وسائل الإعلام السعودية والقطرية التي احتفت بما حصل وكأنه إنجاز حقيقي، بينما القيمة الاعتبارية من القمة تكمن فقط في المشهد المعبر باصطحاب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، بسيارته الخاصة في جولة بين آثار مدينة العلا. وهو سلوك اجتماعي خليجي محبوب أكثر من كونه يحمل دلالة سياسية.
بدت لي تلك الصورة التي تداولتها وسائل الإعلام بوصفها الأكثر طلبا، أكثر أهمية من بيان القمة نفسها، وربما تكون معادلا إعلاميا لتغييب الإنجاز السياسي الذي لم يحصل أصلا.
يصعب تحديد الإنجازات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام في البلدين بعد نزاع سياسي دام ثلاث سنوات، فلا العقوبات السعودية على قطر حققت هدفها بإجبار الدوحة على الابتعاد عن إيران وتركيا، وكبح جماح قناة الجزيرة، والكف عن دعم التنظيمات الإسلامية المتطرفة، ولا قطر قادرة وفق تعبير السير مالكولم ريفكيند من حزب المحافظين البريطاني، على أن “تجري مع الأرانب والصيد مع كلاب في الوقت نفسه”.
ذلك ما دفع أقرب الكتّاب السعوديين إلى مركز القرار السياسي في بلده إلى التذرع بعدم وجود مبرر لتصوير المصالحة مع قطر على أنَّها تراجع أو هزيمة أو قصور في التوقعات، ولا المصالحة تعني أنَّ المقاطعة كانت خاطئة. لكنه لم يقل لنا أي شيء تحقق بعد الضجيج السياسي الذي دام ثلاثة أعوام! وهل تمتلك السعودية أي إستراتيجية حقيقية لقراءة مستقبلها في منطقة يتصاعد فيها وبشكل مستمر الاستحواذ التركي والإيراني بعد تراجع الدور العراقي.
على نفس المستوى لا يمكن لقطر أن تكون قد فازت أيضا، فهي إن اكتفت بثروتها الهائلة لحماية نفسها من المقاطعة واحتمت بقوات تركية فتحت لها قاعدة عسكرية بالدوحة، فإنها لا يمكن ألا تكون جزءا من محيطها الخليجي. ولا يمكن أن تقطع وشائج شعبها مع امتداده الخليجي، مثلما لا يمكن لها أن تكون جزءا من تركيا أو إيران.
أو وفق توقّع مارتن شولوف مراسل صحيفة الغارديان البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، يمكن لقطر، وهي تستعد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، الاستغناء عن المزيد من متاعب الصراخ الإعلامي، والاستفادة من إعادة ضبط الدبلوماسية.
وفي كل ذلك يبدو إجماع وسائل الإعلام القطرية والسعودية على استخدام مصطلح قمة تاريخية، مجرد تعبير عاطفي وجد صداه على مواقع التواصل الاجتماعي المعبر المثالي للبيئة الخليجية، ولا أهمية له في المكاسب السياسية، فلم يطو بشكل نهائي الملف الذي بقي معلقا بالرغم من كل الكلام المجاني المتفائل، وتصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش يؤكد ذلك بتشديده على الحاجة إلى إعادة بناء الثقة لإقامة علاقات شفافة وقوية بين دول الخليج.
بينما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول بحريني بارز قوله “الجميع ينتظر الآن ليرى ما إذا كانت قطر ستلتزم بما قالته، الآن لدينا إطار عمل متفق عليه”. ومتى التزمت قطر من قبل! ثم متى نجحت السعودية من قبل من الخليج إلى العراق واليمن وتركيا وإيران، إن لم تكن ثمة قوة خارجية مساعدة تعتمد عليها!