د. علي محمد فخرو يكتب:
أولوية المشهد العربى على المشهد الأمريكى
نتائج وتداعيات الزحف الغوغائى على ساحات وقاعات الكونجرس الأمريكى، منذ بضعة أيام، على المشهد السياسى الأمريكى الداخلى أمر لا يعنينا وتشير كل الدلائل إلى وجود إرادة شعبية ورسمية لمحاسبة ومعاقبة وفضح أبطاله وتلاعباته والقوى الخفية التى وقفت من ورائه وسيدفع الرئيس الأمريكى الحالى ثمنا غاليا من مستقبله السياسى ومكانة إمبراطوريته المالية وتماسك عائلته عندما تظهر الأيام القادمة الأدوار المجنونة التى لعبها والحماقات التى ارتكبها عبر الأربع سنوات الماضية.
ذاك إذن موضوع يخص الأمريكيين وهو فى جميع الأحوال فصل جديد فى تاريخ المسيرة الأمريكية التى قامت على الإصرار بتفوق وهيمنة الإنسان الأمريكى الأبيض منذ أن قامت المجتمعات الأمريكية قبل الاستقلال على أساسين: استعباد واستغلال للعبيد فى الجنوب الأمريكى وغزو واحتلال للوسط وللغرب الأمريكى من قبل الرأسماليين الجشعين البيض. ما يجرى اليوم هو الاستمرار فى نفس النهج الاثنى المتعصب: هيمنة البيض وخضوع الملونين.. وإلا فالحرب الأهلية. لكن ماذا عن نتائج الأدوار التى لعبها ذلك الرجل، الذى وصفته مجموعة كبيرة من كتابات علماء النفس الأمريكيين ومفكريهم السياسيين بالإنسان الشديد النرجسية، غير المتوازن عقليا ونفسيا وروحيا وأخلاقيا، المكيافيلى فى كل تصرفاته السياسية، والذى أعطاه بعض الساسة العرب الفرصة والمكانة والوسائل والمناسبات ليمارس كل مساوئه الشخصية تلك فى بلاد العرب؟ ماذا عن استقبالاته الحارة الحميمية ليحضر المناسبات كضيف شرف، يلقى المحاضرات ويوجه ويبتز رؤساء دول عربية وإسلامية؟ ماذا عن استقبال صهره، تاجر العقارات الصهيونى وتلميذ نتنياهو اليمينى المهووس بتدمير الحياة الفلسطينية وإفناء شعبها، من قبل أعلى السلطات العربية وخروجه باملاءات سياسية واقتصادية وأمنية ساهمت بتمزيق النظام الإقليمى القومى بشكل يبز ما حققه من قبله الصهيونى الأمريكى كيسنجر؟
ماذا عن التعايش العربى الرسمى المحير مع ذاك الرئيس الأمريكى وذاك الصهر المهووس بصهيونيته وذاك الوزير بومبيو المانح يوميا صكوك التصنيفات والمقاطعة والحصار لذلك البلد العربى أو تلك الحكومة أو الشخصية العربية دون أن يسمع اعتراضا عربيا مشرفا واحدا من قبل الحكومات أو الجامعة العربية أو المنظمة الإسلامية؟
مثلما أن الأمريكيين سينظرون فى كل ملابسات وحماقات وفضائح نظامهم الرئاسى التى هزت المجتمع الأمريكى من أعمق أعماقه وفضحت تاريخ وحاضر ومستقبل الجنون السياسى الأمريكى، فكذلك يجب أن يحدث الأمر نفسه فى بلاد العرب. فالعلاقات الرسمية العربية مع ذاك النظام الأمريكى، بعقليته ورجالاته وقراراته المحتقرة لأمة العرب وحقوق شعوبها ولاستقلالها الاقتصادى وحقها فى امتلاك ثرواتها، ذاك النظام الذى قدم القدس العربية والجولان العربى والضفة الغربية كهدية للكيان الصهيونى وقدم العون لمرتزقته من البرابرة الذين عاثوا فسادا فى كل أرجاء البلاد العربية يجب أن تدرس وتحلل وتعرف الجهات التى مولتها ورعتها وباركت نتائجها كخطوات ضرورية لمحاسبة من احتقروا رغبات وإرادات شعوبهم بالنسبة للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية التى لم تترك شيئا مؤلما وجارحا ومؤذيا للأمة العربية عبر السبعين سنة الماضية إلا وفعلته، وأوصلته عبر الأربع سنوات الماضية إلى ذروته.
انشغال المحللين العرب وشبكات التواصل الاجتماعى العربية بالجنون الأمريكى فى العاصمة الأمريكية لن يجدينا نفعا. إنه هروب من مواجهة المآسى السياسية العربية التى تمثل جحيما تكتوى بناره هذه الأمة منذ أكثر من عشر سنوات.
عندما استمع إلى المناقشات التى تدور من خلال بعض الإذاعات العربية أو الأجنبية الناطقة باللغة العربية حول ما يجرى فى المسرح السياسى الأمريكى بينما يتجاهلون ما دار فى المسرح العربى من قبل أولئك الممثلين الأمريكيين، بالتعاون الحميم مع بعض الممثلين العرب، أعرف أننا، وكالعادة، سنضيع فرصة مجابهة اللعنات التى يرتكبها البعض بحق هذه الأمة المنهكة دون مساءلة أو محاسبة.