د. علي محمد فخرو يكتب:

هل سيتصرف العرب مثل أوروبا؟

بعد انهيار الاتحاد السوفييتى فى ثمانينيات القرن الماضى أصبحت الولايات المتحدة القوة المهيمنة الأولى الوحيدة فى العالم وأصبحت، إضافة لذلك، تتصرف كسلطة أبوية، تحنو على هذا وتحذر ذاك، توجه هنا وتضرب بالسلاح والعساكر والاستخبارات هناك؟
وهكذا دخل فى رأس قياداتها الغرور والثقة بالنفس غير المتوازنة. آنذاك نصح الكثيرون تلك القيادات، وعلى الأخص أشهرهم وأكثرهم صراحة الدبلوماسى الأمريكى جورج كينان، بأن لا تمارس أمريكا عمليات وسياسات إذلال روسيا، لئلا يقود ذلك الإذلال القوى العسكرية الروسية وقواها السياسية ذات الاعتزاز بقوميتها وتاريخها وحضارتها، أن يقود إلى ردود فعل روسية عنيفة لمواجهة أمريكا والدخول ضدها فى صراعات وحروب.
لكن القيادات الأمريكية السياسية والعسكرية لم تستجب لتلك التحذيرات فقامت بالكثير المتعمد لإنهاك الاقتصاد الروسى، وإضعاف روسيا سياسيا، واستعمال حلف الناتو للزحف المتواصل المتصاعد شرقا لتطويق روسيا وتهديد أمنها بل ووجودها.
وما شجع أمريكا للمبالغة فى عملية الإذلال تلك المواقف الأوروبية الذليلة المستسلمة السلبية تجاه كل ما تفعله أمريكا فى أوروبا وفى العالم كله. وكان محيرا أن تتصرف أوروبا ذات التاريخ الحضارى الرائع، ومصدر الأفكار الإنسانية الكبرى، والخارجة من حربين عالميتين مدمرتين، والمالكة لاقتصاد قوى هائل، والقادرة على بناء قوة عسكرية ذاتية بدلا من الانسحاق تحت مذلة إملاءات الناتو.. أن تتصرف أوروبا بتلك الصورة المترددة الوجلة.
ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون أمريكا هى المتخذة لأكثر القرارات بشأن الحرب فى أوكرانيا، وأن تكون أوروبا منقسمة وتابعة باستكانة أحيانا وبتضحيات ضارة بشعوبها أحيانا أخرى. هذا الغياب التام لإرادة سياسية أوروبية مستقلة عن أمريكا هو بالفعل أحد ألغاز هذا العصر السياسية. وهذه الملاحظة يقولها يوميا الكثيرون فى أوروبا بهلع وحيرة.
تلك كانت مقدمة لتقودنا إلى طرح السؤال التالى: هل الوضع السياسى العربى الحالى، المنقسم على نفسه، الملىء بالصراعات العبثية فيما بين مكوناته، الذى أدى إلى أن يتصرف كل قطر عربى حسب تقديراته ومصالحه الذاتية دون أخذ أى اعتبار للعمل السياسى المشترك ولا لالتزامات العروبة والروابط الإسلامية، هل ذلك الوضع قادرا على ممارسة الاستقلالية والإرادة الجمعية فى التعامل مع ما سيطرحه الرئيس الأميركى بايدن على مجموعة منتقاة عربية حوالى منتصف الشهر القادم؟ وبالذات بالنسبة لموضوعين: الموقف من الحرب فى أوكرانيا ومن الصراع الوجودى الإذلالى الغربى مع روسيا، والموقف من تكوين ناتو شرق أوسطى (لاحظ وليس عربيا، أى سيضم الكيان الصهيونى) ضد جمهورية إيران الإسلامية؟
إذا كانت أوروبا، بكل نقاط قوتها، قد خضعت للإملاءات الأمريكية إلى الحد الذى قبلت بأن تكون إحدى ضحايا تلك الحرب الرئيسيين، فهل سيكون بإمكان مجموعة الدول العربية التى ستجتمع مع بايدن قول «لا» لأى طروحات أمريكية، خصوصا وأنها تفتقد إلى الإسناد العربى الشامل أو الإسناد الإسلامى الشامل؟
وعند ذاك هل من مصلحة العرب أن يصبحوا ضحية من ضحايا الحرب الأوكرانية وضحية مستقبلية فى صراع عسكرى تدميرى ضد إيران كما يخطط له الكيان الصهيونى ودوائر القرار الأمريكية الخاضعة للنفوذ الصهيونى فى أمريكا؟
هل حقا أن العرب مجتمعين لا يستطيعون إجراء حوار ندى متوازن مع إيران، بمباركة وتناغم مع منظمة التعاون الإسلامى، بدلا من ترك الساحة للإملاءات الصهيونية، ومن ثم الأمريكية المنحازة؟ هل حقا أنه لن تكون لنا، نحن العرب مجتمعين، كلمة فى تجنيب دول الخليج العربى وإيران لكارثة كبرى؟ هل سنظل ندور فى حلقة الاعتماد على محاولة هذا القطر العربى الخليجى المشكور أو ذاك للخروج من صراع عربى ــ إيرانى مجنون لا يفيد إلا أعداء الأمتين المتربصين بنا جميعا؟
لعلنا، نحن العرب، نتعلم من المصير الخطر والمأزق المأساوى الذى تعيشه أوروبا حاليا بسبب ترددها وخوفها وهوانها على نفسها أمام الغرور الأمريكى الذى لن تكون له، كما يظهر، نهاية فى المستقبل المنظور.
يكفينا منظر أشباح المدن المدمرة وجثث الألوف من القتلى فى أقطار مثل العراق وسوريا، لنبدأ رحلة حل مشاكلنا قبل فوات الأوان.