د. علي محمد فخرو يكتب:
رفع الالتباس عن شعار الديمقراطية
يضطر صاحب الرأي أحياناً أن يقدم التوضيحات الضرورية لما يقوله أو يكتبه، خصوصاً بعد أن أفسحت وسائل التواصل الإجتماعي المجال لآلاف القراء والمتابعين ليشاركوا في مناقشة كل ما يقال ويكتب. وبالطبع فهذا حق للقراء والمستمعين يتوجب أن يدعم ويحترم ويتعامل مع ما يطرحه بجدية وإيجابية.
في ضوء تلك الخلفية دعني أبين من جديد لشابات وشباب الأمة ما اعتبرها نقاطاً مفصلية وجودية في فهم الديمقراطية والتعامل مع تطبيقاتها في الواقع العربي.
* أولاً، أن الديمقراطية، فكراً وتطبيقاً، هي سيرورة لها بداية وليس لها نهاية، لها أرضية وليس لها سقف. وحتى الآن لم يصل أي مجتمع في العالم كله إلى الصورة المثلى المتكاملة للديمقراطية. وبالتالي، فإن النضال من أجل تحقق الديمقراطية الإنسانية العادلة سيبقى ضرورياً عبر القرون المقبلة، على ما يبدو، لمنع تشوهها، واستغلالها من قبل أقليات الوجاهة والمال والسلطة، وللارتقاء بها تدريجياً إلى الأعلى، والأسمى، والأشمل.
* ثانياً، أن المجتمعات، بقواها وتنظيماتها المدنية كافة، ومواطنيها، هي شريكة أساسية في بناء صرح الديمقراطية، وتطويرها وحمايتها. وهي مسؤولة عن مواجهة كل من يحاول تشويهها، أو استغلالها لمصالحه الخاصة، أو إضعاف سلطتها. وإذن، كل أدوات الديمقراطية، من أحزاب ونقابات وجمعيات وبرلمانات وتشريعات وحريات أساسية، يجب أن تعتبرها المجتمعات جزءاً من تكوينها، وملكاً لها، ومن مسؤولياتها الأخلاقية والحقوقية.
وعليه، فإذا وجدت أي نقائص في تلك الأدوات، لأي سبب كان، فمن مسؤولية المجتمعات أن تناضل لتصحيحها، لا مقاطعتها بأية صورة، ولا إهمالها بأي مبرر.
* ثالثاً، وعليه، فإن مقاطعة انتخابات البرلمانات، بسبب وجود مظالم من قبل أية سلطات، هو تخلٍّ عن أداة ديمقراطية، يملكها المجتمع وليس السلطة، وبالتالي، فالمطلوب من المجتمع أن يحارب بكل الوسائل من أجل برلمانات تأتي عن طريق انتخابات حرة، ونزيهة، وعادلة، وشاملة، وبعيدة عن تأثيرات أصحاب الوجاهة والمال والسلطة، حتى تصل المجتمعات إلى انتخاب برلمانات تحارب الظلم والتسلط، بدلاً من أن تكون أداة في يدها.
والاعتقاد بأن سلطات الحكم ستتخلى طوعاً عن تطويع البرلمانات والاستيلاء على كل قراراتها، من دون صراع طويل في داخل البرلمانات، ونضال مرير في كل ساحات المجتمع من قبل قوى المجتمعات المدنية، هو وهم لن يتحقق. وعلى المجتمعات ألا تتخلى قط، عن مسؤولياتها بالنسبة إلى هذا الموضوع.
* رابعاً، هذا يقودنا إلى موضوع الأهمية القصوى لإدماج كل مواطن بالغ في معارك الانتخابات ونقاشات البرامج الانتخابية ومحاسبة أعضاء البرلمانات المقصرين. ذلك أن التراجع المرعب في نسب المشاركين في انتخابات البرلمانات في كل أرجاء العالم جعل الكثيرين من كتّاب السياسة يقترحون جعل المشاركة في انتخابات البرلمانات إجبارية بالقانون العادل، غير المنحاز، حتى تصبح نتائج الانتخابات ممثلة لكل الأطياف، ولكل المواطنين، وليس لجزء منهم فقط. وإلا، فلا معنى لوجود النظام البرلماني برمّته إذا كانت انتخاباته ومحاسبة أعضائه والإصرار على تدوير سلطات الحكم من خلاله، دورياً وسلمياً، ستبقى في يد جزء صغير نشط من أفراد المجتمعات، بينما تبقى أغلبية المواطنين متفرجة، ولا مبالية.
* خامساً، من الضروري أن تصاحب الديمقراطية السياسية ديمقراطية اقتصادية واجتماعية: توزيع عادل لثروة المجتمع، فرص حياتية متساوية، إنهاء لظاهرتي الفقر المدقع والغنى الفاحش، وجود دولة تؤمن بواجبها أن تكون مسؤولة عن رعاية اجتماعية شاملة للمواطنين، خصوصاً الفقراء منهم، والمهمشين. والقيم الأخلاقية التي يجب أن تحكم كل ذلك هي قيم العدالة والتضامن الإنساني وحقوق الإنسان الكبرى، لا قيم منافسات السوق وأطماع الرأسمالية المتوحشة وصراعات الطوائف والقبائل والعساكر العبثية.
* سادساً، كل نظام ديمقراطي في كل مجتمع إنساني يتأثر ويتفاعل مع تاريخ وتراث وثقافة وعقائد وتطلعات وظروف شعوب تلك المجتمعات. وهذا ينطبق على مجتمعات أمة العرب.
قد نتفق، أو نختلف حول هذا التفصيل، أو ذاك، لكن ضمن إطار فكر ديمقراطي وجودي إنساني عادل شامل، آن أوان النضال من أجله في كل بلاد العرب.