مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):

هات حق القات

يزداد الجدل في الآونة الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي و الإعلام أكثر فأكثر حول الفساد في اليمن  واولها فضيحة الوديعة والبنك المركزي وعملياتِ فساد وغسل للأموال رافقت الوديعة السعودية ، و ربما تكون مجرد قمة جبـل الجليد ، وعلى ما يبدو أن نطاق مناقشة "قضية الفساد" قد طغت بالفعل على المشاكل اليمنية الملتهبة  ،  مثل الحرب والرواتب والغلاء المعيشي  ومكافحة الإرهاب و المخدرات.

الفساد في اليمن ليس  جديداً و له اشكال  كثيرة للغاية ، لان بعضاً من المسئولين والموظفين ابدعوا في  " صناعة الفساد  " وشاركوا فيه باحترافية عالية  وطوروه معتمدين  في سلوكهم هذا غير القانوني  وغير الاخلاقي ، على موقف الدولة المتراخي وغضها للبصر عن محاربة ظاهرة  الفساد  و اولها " الرشوة "   ، التي تنخر أي مجتمع وتجعله في قاع الامم  ، بينما يراها معظم اليمنيين على أنه وسيلة  للبقاء والتربح .

بعد حرب  صيف1994 على الجنوب ازدهرت في عدن عبارة  " هات حق القات " التي يطلبها الكثير عيني عينك وكأنها بالفعل  "حق" ، وفي صور رشاوى بالمفتوح ، حتى أصبحت أنماط الحياة الفاخرة ، بسبب الرشاوى  شائعة لدى البعض من  الموظفين والمسؤولين الجدد جدا .

 معظم الناس في اليمن يعانون أكثر من غيرهم من الرشوة ، الذين يتعين عليهم التعامل معها باستمرار في عملية التفاعل مع مختلف مؤسسات الدولة المسؤولة عن تقديم الخدمات للسكان ،  فالرشوة في اليمن بالرغم من انها شر مطلق ، إلا ان الكثيرين  يرونها ضرورة  لا مفر منها لإنجاز اعمالهم ، رغم انها أخطر جرائم الفساد ويكمن خطورتها بالدرجة الأولى في حقيقة أنها تشوه سمعة الدولة ، لا نها من السمات  الدائمة والمهمة للرشوة  هو أن متلقي الرشوة يتمتع في الغالب بسلطات  رسمية معينة .

من  الممكن مشاهدة بعض من مظاهر  "  حق القات " في مئات المنازل الباهظة الثمن المنتشرة  في عدن لذوي الدخل المحدود  ، وفي صور تعدد الزوجات  ، وعرض السيارات الفارهة للموظفين البسطاء ، الذين يتلقفوك عند باب كل مؤسسة او مصلحة حكومية ، بوجه تعبان من القات نفسه ،  ويبادروك بكلمة " خدمات " ، التي تعتبر الطريق الى   " حق القات " ، لتنتهي معاملتك او قضيتك لصالحك مهما كانت ظروفك وصعوبة قضيتك .

   تحسب للنظام في اليمن الديمقراطي  قبل الوحدة  مواقف مشرفة في خلق بيئة من النزاهة وعدم التسامح مع الرشوة ،حيث  كان عقاب التلميح  برشوة ولو بكاسه شاي في عدن يمكن ان يصل بالشخص الى  حبل المشنقة ، رغم ان  عدن حينها كانت تعيش على مساعدات اقتصادية من الاتحاد السوفياتي ورغم بساطة وقلة المساعدات  ، الا انها كانت تسير  بدقة على النحو المنشود من عدن حتى سقطرى ، والمسؤولون الجنوبيون أنفسهم  كانوا راضين برواتب ضئيلة ، والكثير منهم كان يعيش في شقق بسيطة .