ثامر الحجامي يكتب لـ(اليوم الثامن):

البحث عن الهوية العراقية

ليس هينا في العراق أن تفقد هويتك التعريفية، وهذه الصعوبة مرتبطة مع العراقيين إرتباط أزلي، فعليك أن تذهب في رحلة طويلة أمام المحاكم والدوائر الأمنية من أجل إثبات فقدانها، وإصدار هوية جديدة تحمل صورة حديثة وتاريخ إصدار جديد، لكن الثابت فيها تاريخ الميلاد والديانة والإنتماء لهذا البلد.

  طبيعة العراق الإجتماعية والسياسية وحتى الجغرافية، إنعكست تأثيراتها على هوية العراقيين، وحاولت السلطات الحاكمة المتعاقبة إظهار الهوية التي تنتمي إليها على إنها تمثل الهوية العراقية، فمرة تستخدم السلطات البعد القومي ومرة البعد الطائفي والسياسي، حتى تجذر هذا الأمر وأصبح من البديهيات المسلم بها.

  بسبب البعد الطائفي والقومي خاض العراق عديدا من الحروب العيثية، التي كانت كالعثة تنهش في جسد الوطن.. فالحروب مع الاكراد بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى كان ضحيتها كثير من الأبرياء الذين قضوا بأشكال متعددة حتى بالأسلحة الكيمياوية، وما زال الصراع مستمرا بأشكال مختلفة.

  الحرب مع إيران؛ وإجتياح دولة الكويت، حملت أبعادا طائفيا مرة وشعارات قومية في أخرى، رافقتها ضحكات السلطة الحاكمة على هلاك أجيال كاملة، وضياع مقدرات إقتصادية تعمر أرجاء الكرة الأرضية، وصولا لعام 2003 وتمكن القوى الاقليمية والدولية من النفاذ من الشرخ الكبير، ودعمها لقوى محلية واللعب على الأوتار المذهبية والطائفية.

   حضرت المشاريع المختلفة المعبرة عن كل الطوائف العراقية، فالمشروع الشيعي مستندا الى الغالبية الشعبية كان المسيطر على الساحة السياسية، متصادما مع المشروع السني الذي كان يعيش مرارة فقدان السلطة، يقاطعهما المشروع الكردي الذي يريد الانسلاخ من الهوية العراقية وايجاد هوية قومية خاصة به، مع صراع بقية الطوائف لإثبات وجودها.

   نتيجة ذلك كانت الصراعات الطائفية، والحروب الدامية التي إستنزفت الثروات البشرية والإقتصادية، وتجلى الصراع الإقليمي والدولي على الأرض العراقية، فهذا يضع حزمة حطب على النار وذلك يشعل عود ثقاب، وتحول العراق الى أرض ملتهبة، وقودها الناس والحجارة.. ولم تنته المحنة إلا بعد أن أدرك الجميع أن القطار الذي يسيرون فيه سيؤدي بهم الى نفق مظلم.

  بعد إنجلاء الغبرة، وإنتهاء مرحلة سوداء في تاريخ العراق، لم يدرك البعض أن قوة العراق في مغادرة الخطابات الطائفية والقومية، وبناء مرحلة جديدة تهدف الى بناء دولة على أساس المواطنة، تراعي حقوق الجميع دون تمايز حسب المذهب والعرق، تحترم كافة الطوائف والأديان، وما زال يستغل كل شاردة وواردة من أجل إثارة تلك النعرات لأغراض الكسب الإنتخابي والتربح السياسي.

أن الأوان ليدرك العراقيون جميعا، أنهم لن يكونوا أفضل حالا ولن تكون لهم دولة قوية إسمها العراق.. إلا بالحصول على هوية وطنية جامعة، ودولة عصرية عادلة، ويرسخوا هذه الهوية في سلوكهم، ويشرعوا ببناء مستقبل بعيد عن منغصات الماضي.