د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
معركة مأرب هل ستحدد مصير الحرب في اليمن؟
كانت مأرب تتمتع باستقرار نسبي منذ بدء الحرب العام 2015، ما جذب إليها النازحون من مناطق النزاع في شمال اليمن، خاصة تلك المناطق القبلية التي خاضت معارك مسلحة ضد الحوثيين مثل حجور والجوف، وخشي أهلها من العودة إلى ديارهم وانتقام الحوثيين منهم. وهكذا، تضخّم عدد سكان المدينة من 300 ألف قبل الحرب إلى عشرة أضعاف ليصبح ثلاثة ملايين .وفي الوقت نفسه ازدهرت المدينة خاصة عندما كانت الحرب بعيدة عنها ولكن وضعها الحالي تحت فوهات المدافع الحوثية سيزيد من خطورة أي تصعيد عسكري على هذه المدينة وسيشرّد ملايين الأشخاص ويضعهم أمام مصير مجهول، خاصة بعد تزايد النزعة العنصرية ضد الشماليين في الجنوب.
في الأسابيع الماضية حقق الحوثيون تقدما مهما نحو محافظة الجوف وإسقاط عاصمتها الحزم، ما يمكّنهم من محاصرة مأرب من كل الاتجاهات حيث تتواجد قواتهم في محافظة الجوف، ومن الجنوب في محافظة البيضاء. كذلك، يضغط الحوثيون في الجنوب الغربي من المحافظة على منطقة أخرى متنازع عليها ضمن المحافظة وهي صرواح، وأخيراً في الغرب من جبال نهم.
ومع انشغال العالم بكورونا، يحاول الحوثيون التقدّم نحو مأرب ذات الأهمية الجغرافية والسياسية والاقتصادية الكبيرة. فمن ناحية الموقع، تفتح مأرب الطريق نحو محافظات جنوبية ثرية مثل شبوه وحضرموت، كما أن سقوط مأرب سيؤدي تلقائياً إلى السيطرة على بقية ما كان يعرف باليمن الشمالي، بما فيها محافظة تعز بساحلها حتى الحديدة !!
من الناحية السياسية، لا تقل مأرب أهمية، فهي آخر معاقل الحكومة المعترف بشرعيتها دولياً بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، ثم سيطرة الجنوبيين على عدن العاصمة المؤقتة في 2019. كما أنها آخر ملجأ للمعارضة السياسية للحوثيين في الشمال، خاصة حزب الإصلاح (تجمع سياسي للإخوان المسلمين والقبائل(.
الأهم هو الثروة النفطية التي تتمتع بها المحافظة. إذ لا توجد تحت سيطرة الحوثيين أي منطقة نفطية. فمأرب فيها حقول غاز ونفط يصل إنتاجها إلى عشرين ألف برميل يومياً نصفها للإنتاج المحلي، كما تضم مصفاة صافر، إحدى مصفاتَي النفط في اليمن.
هذا لا يعني أنها ستكون معركة سهلة رغم تحالف الإصلاح مع الحوثيين سرا ،ولكن القبائل في مأرب قوية وذات نزعة استقلالية ولديها ضغائن تاريخية مع الحركات الزيدية، بسبب رفضها الهيمنة السياسية من القبائل الزيدية الشمالية. كما أنها ككل قبائل اليمن تخشى من العمليات الانتقامية التي قد يقوم بها الحوثيون حين يسيطرون على منطقة ما، كتفجير المنازل والقتل والاعتقال، ما يفقد المشايخ القبليين هيبتهم وقوتهم.
ثمة ثلاث سيناريوهات في معركة مأرب :
الأول : هزيمة الحوثيين، ما قد يغير مزاجهم الانتصاري ويدفعهم إلى تقديم تنازلات سياسية توفّر مخرجاً للحرب يحفظ ماء الوجه ، خاصة أن وضع الحوثيين الاقتصادي سيظل صعباً بسبب كثافة سكان مناطقه وافتقاده إلى موارد اقتصادية كبيرة.
الثاني : أن تطول المعركة بشكل مرهق للطرفين، ما قد يدفعهم إلى التفاوض. هنا قد تُلبّى بعض مطالب الحوثيين بحصة من الثروة النفطية للمحافظة، وبمشاركة أنصارهم من قبيلة الأشراف في مأرب في الحكم المحلي للمدينة، مقابل وقف الحرب ورفع الحصار عنها. هذا الخيار قد يفتح الباب أيضاً لمفاوضات مقبلة، لكن ليس بالضرورة ناجحة لأنه يعني أن الحرب لم تتغيّر موازينها بشكل يسمح بتقديم تنازلات، إلا إذا تزايد الضغط الاقتصادي على الطرفين.
الثالث : سقوط مأرب بيد الحوثيين، ما يعني استبعاد احتمال وقف حرب اليمن وفق أي تسوية قريبة، لأن الحوثيين يكونون بذلك قد كرّسوا سلطتهم في اليمن الشمالي وصاروا يشكّلون القوة العسكرية المحلية الأقوى في البلاد، من دون الحاجة إلى اعتراف التحالف والعالم بهم ، ولأنهم لن يكونوا تحت وطأة أي ضغط اقتصادي ملح يدفعهم إلى التسوية.
قد يشجّع هذا السيناريو على صعود التطرّف الديني من الطرف الآخر "السنّي"، وربما لتفاقم غير مسبوق لنفوذ تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية اللذين اعتادت القبائل المحلية مثل قبائل مأرب على مواجهتهما ومنع انخراط أبنائها فيهما. لكن في حال هزيمة القبائل أمام قوة شيعية راديكالية ك (الحوثيين )، من الصعب أن تتمكّن هذه القبائل من التصدي لهذا النشاط أو السيطرة على أبنائها، خاصة مع هيمنة الحوثيين كجماعة معادية مذهبياً مما سيولّد أجواء متعاطفة مع التيارات السنيّة الراديكالية ، ونحن نقول : إذا سقطت مأرب أن ذلك سيؤدي إلى حرب أهلية طويلة الأمد تشمل كافة المدن اليمنية شمالا وجنوبا وستقود تلك الحروب كل التيارات السياسية والدينية والمنظمات الإرهابية المحلية والخارجية الممولة من إيران وقطر وتركيا !!
وسيتحول اليمن بكامله إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات المحلية والإقليمية والدولية وستصبح اليمن أفغانستان الثانية ودولة فاشلة لن يحكمها أحد والحرب ستظل ملتهبة لعدة سنوات وقد تتحول إلى حرب إقليمية شاملة لا قدر الله .
د. علوي عمر بن فريد