د. ألون بن مئير يكتب:
إنه وقت حرج لقيادة جديدة في إسرائيل
نظرًا لأن الإسرائيليين سيدلون بأصواتهم قريبًا للمرة الرابعة في غضون عامين، ينبغي عليهم التوقف والتفكير مليّا ً بأي إتجاه ستسير البلاد تحت قيادة نتنياهو، وما هو احتمال إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في حال تشكيل الحكومة الائتلافية المقبلة. لقد ظل الإسرائيليون والفلسطينيون لفترة طويلة يظلمون بعضهم البعض، وقد استهلكتهم الكراهية المتبادلة والعداء والإزدراء بشكل متساوٍ. ولا يبدو أن أي من الطرفين يدرك أنه لا مفر من الآخر، وكلما طال انتظارهما لحل نزاعهما، أصبح الأمر أكثر صعوبة وتعقيدًا.
أصبح للأسف، إن لم يكن بشكل مأساوي، الجمهور الإسرائيلي سلبيًا وغير مبالٍ كما لو كان الصراع مع الفلسطينيين من حقبة ماضية. لقد أقنع غالبية الإسرائيليين أنفسهم بأن الفلسطينيين هم العدو الدائم وأن حالة اللاسلام والآحرب تقدم أفضل ما في العالمين، بينما أصبح الوضع الراهن أسلوب حياة عادي. لكن الحقيقة المحزنة هي أن الصراع المستمر يسلب إسرائيل العقيدة الأخلاقية التي أقيمت على أساسها، والتي بدونها تفقد حقها في أن تكون حرة وآمنة.
لقد رفض الإسرائيليون إلى حد كبير التزامهم الأخلاقي بإنهاء الإحتلال حيث تم تخفيض تكلفة الحفاظ عليه إلى دولارات وسنتات. أنشأت إسرائيل جهازا أمنيا واستخباراتيا مشددا للغاية، مما جعل من المستحيل تقريبا على مسلح فلسطيني قتل إسرائيلي دون عقاب. في الواقع، عدد الإسرائيليين الذين قتلوا على يد متطرفين فلسطينيين ضئيل مقارنة بعدد القتلى التي تسببها حوادث المرور.
سألت صديقًا، سفيرًا إسرائيليًا سابقًا، الآن بعد تحديد موعد الإنتخابات الجديدة، عمّا إذا كان لدى أي من الأحزاب السياسية برنامجاً يتضمن خطة سلام مع الفلسطينيين؟ قال: “لم يعد هناك شيء من هذا القبيل، باستثناء حزب ميرتس”. “الناس غير مهتمين بالمحتوى. كل شيء يتعلق بالشخصيات المشاركة “.
من المؤكد أن النظام السياسي الإسرائيلي فاسد في الأساس. لا يتم في الواقع تشكيل الحكومات الإئتلافية على أساس ما هو الأفضل للبلد. لا، بل الأساس الذي يعتمد عليه هو الحقيبة التي يتم تخصيصها لمن وإلى أي حزب، ومقدار السلطة التي يمكن لكل وزير حشدها، وما هو المخصّص المالي الذي يمكنهم تأمينه على الأرجح لتلبية احتياجات ناخبيهم – وتمثل الأحزاب الدينية ذلك بشكل مثالي.
على المرء أن ينظر فقط في كيفية تمكن رئيس وزراء يواجه ثلاث تهم جنائية من تشكيل الحكومات الثلاث الأخيرة. لقد شغل منصب رئاسة الوزراء لفترة أطول من أي من أسلافه، وهو الآن مستعد لتشكيل الحكومة الائتلافية المقبلة بعد الإنتخابات القادمة والتي تمّت هندستها من أجل أن يبقى في السلطة حتى تأخذ الطبيعة مجراها.
نتنياهو نهم لمزيد من السلطة – نرجسي، متلاعب، وكاذب. إنه لا يفي بأي وعد – ليس لليهود الأميركيين، ولا لشركائه في التحالف، ولا للزعماء الأجانب، ولا حتّى لحزبه. إنه يستغل كل ما يأتي في طريقه ويطارد كل ما يمكنه التأثير عليه.
إذا شكّل نتنياهو الحكومة الإسرائيلية المقبلة، فسوف يقوض بشدة الديمقراطية الإسرائيلية الآخذة في الوهن، وسيضمن أن المحكمة العليا والقضاء يحكمان دعماً لأجندته السياسية، ويخنق الصحافة باسم الأمن القومي، بينما يكافئ أصدقاءه ويعاقب خصومه السياسيين.
وماذا يقول كل ذلك عن الجمهور الإسرائيلي؟ عن مستوى تسامحهم مع الفساد، وقبولهم لمجرم يدير البلاد، واستعدادهم للإستسلام لأهوائه؟ تقدم هذه الإنتخابات للجمهور فرصة بالغة الأهمية لتغيير الحراس على رأس القيادة واختيار قادة جدد ملتزمين بإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ليس لدى نتنياهو خطة لصنع سلام مع الفلسطينيين تحت رعايته. في الواقع، عندما أصبح رئيسًا للوزراء لأول مرة في عام 1996، فعل كل ما في وسعه لنسف اتفاقيات أوسلو. وبالفعل، فإن ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية فقط هو الذي يشغل ذهنه من أجل تحقيق حلمه بإسرائيل الكبرى.
حان الوقت لكل إسرائيلي أن يفكر مليًا قبل أن يدلي بصوته ويطلب من قادته المنتخبين إنهاء الصراع مع الفلسطينيين ودعم أحزاب الوسط واليسار، وخاصة “يش عتيد” (هناك مستقبل) والعمل وميرتس، بقيادة لبيد وميشائيلي وهوروفيتس على التوالي. إنهم مستعدون لوضع حد للصراع الذي دام 72 عامًا واستعادة روح الدولة – أجل، لأن روح إسرائيل على المحك.
وللفلسطينيين دورهم الحاسم في القيام بذلك. يجب عليهم أن يوضحوا بجلاء أنهم راغبون ومستعدون لاستئناف المفاوضات دون قيد أو شرط والعمل نحو السلام على أساس حل الدولتين. مثل هذا البيان القاطع سيعزز بشكل كبير الجهود الإنتخابية لـ “يش عتيد” و“حزب العمل” وحتى “ميرتس”، وهي الأحزاب التي يمكنها السعي لتحقيق السلام بجدية.
كلما طال أمد تمسك الفلسطينيين بمواقفهم القديمة ولم يقدموا أي تنازلات، كلما خسروا المزيد من الأرض. فبدون هذا التأكيد العلني، لن يكون لدى الإسرائيليين أي سبب أو دافع للالتحام حول القادة السياسيين من الوسط ويسار الوسط الذين يدعون إلى السلام ويتفاوضون بحسن نية، الأمر الذي يتطلب بعض التنازلات المؤلمة.
بعد أن تعلمت من التجارب السابقة، لا تريد إدارة بايدن الإنغماس في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أمل تحقيق السلام الذي استعصى على كل إدارة أميركية سابقة. ومع ذلك، لا يزال يتعين على الولايات المتحدة إرسال رسالة الآن قبل الإنتخابات مفادها أن حل الدولتين يظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق. ولكن يجب أن يسبق ذلك بناء الثقة لعدد من السنوات من خلال عملية مصالحة تؤدي إلى تلك الغاية المحددة سلفًا. وهذا سوف يساعد أحزاب الوسط في إسرائيل أكثر في جاذبيتها للناخبين.
الوقت هو جوهر المسألة؛ يمكن للسلطة الفلسطينية وزعماء أحزاب الوسط في إسرائيل أن يغيروا بشكل جذري ديناميكية الصراع ويصلحوا الخطأ الذي تسببوا فيه بقصر نظر تجاه بعضهم البعض لأكثر من سبعة عقود.