فهد ديباجي يكتب:

العراق والتعايش المشترك

منذ عام ٢٠٠٣، يعيش الشعب العراقي بين هيمنة إيران وإرادة أمريكا؛ إثر التدخل الأمريكي الذي كان بمثابة الفرصة الذهبية لإيران.

للانقضاض وإقامة منطقة نفوذ لها فوق إطار الدولة العراقية، مستغلة انتشار المليشيات المؤيدة والموالية لها، ومع تولي بايدن الإدارة الأمريكية، الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ خلال الاحتلال الأمريكي، عُرف عنه تأييده لفكرة إقامة ثلاث دول في العراق: شيعية، وسنية، وكردية، طبعاً الفكرة حينها لم تلقَ تأييداً في واشنطن؛ بسبب تمسك المؤسسات السياسية بالحدود الدولية القائمة في المنطقة، إلا أن فكر بايدن الذي لم يتغير قد يُعيد هذا المشروع ضمن صفقة تسجل باسمه مع إيران وتركيا للتخلص من عبء العراق، وضمان إتمام الاتفاق النووي.

إن تعافي العراق مرتبط بتعافي الأمن والاقتصاد وتحسن الظروف المعيشية للمواطنين، ومن سوء حظ الحكومة الحالية أنَّها وُلدت في خضمّ جائحة كورونا وما صاحبها من أزمات اقتصادية شلّت معظم دول العالم، وأعباء مالية على خزينة الدولة، واستمرار المليشيات الولائية في العبث والفساد وكسر هيبة الدولة، لكن وفق ما شوهد من تصريحات ومواقف أمريكية، فإن أي محادثات بين واشنطن وطهران لن تغيّر خارطة المليشيات؛ لأن إيران تواصل الاعتماد على أذرعها من المليشيات المنتشرة في كل من العراق وسوريا واليمن من أجل مضاعفة التهديدات على المصالح الأمريكية، ولزيادة الضغط عليها قبيل استئناف أي مفاوضات حول ملفّها النووي الذي تحاول من خلاله انتزاع اعتراف أمريكي بأنها قوة إقليمية لها نفوذها في الشرق الأوسط، كذلك كلما قويت إيران قوي "داعش" وبقية المليشيات، وقُتل عراقيون أكثر، وبالتالي تتعالى أصوات الداعين إلى حضور إيرانيّ أقوى في العراق يضمن للعراقيّين مواجهة داعش.

 ومع عودة الديمقراطيين.. تكثف طهران جهودها من أجل حصولها على اعتراف بالحق في توظيف المليشيات، من هنا لا يُرتقب أن تقدم طهران في هذا الشأن أيّ تنازلات من خلال التخلي عنها، في ظل تشبث الكثير من المتشددين والطائفيين بهذه المجموعات المسلحة، وأيضاً في ظل الإشارات المتناقضة التي تبعث بها الإدارة الأمريكية.

الجنرال الإيراني علي شمخاني يعترف بكل وقاحة، كما ورد في صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية، بأن "العراق وسوريا واليمن ولبنان - مجرد مشاريع تجارية لتعزيز الوضع الاقتصادي في إيران"؛ لهذا تبدو مهمّة البابا فرنسيس شبه مستحيلة في ظل التجاهل والانزعاج الإيراني من الزيارة، فقد وصفت من مندوب المرشد في إقليم خراسان وإمام الجمعة في مدينة مشهد "بأنها تمت بإيعاز أمريكي". لكن ليس ميؤوساً منها كلّيا، وتعتبر محاولة مشكورة لأخذ البلد إلى الاعتدال والسلام والإخاء والتسامح ونبذ التطرف، والتي تتوقف على مدى نجاح حكومة مصطفى الكاظمي، الذي أعلن أن 6 مارس يوم وطني للتسامح والتعايش في العراق؛ لكي يتجاوز المرحلة الصعبة التي يمرّ بها العراق.

 يرى الشعب العراقي حالياً "أن الوجود الإيراني صار واقعاً ثابتاً ومسلماً به، لكن من المفترض أن تجبر طهران على مراجعة أساليبها ومراعاة سيادة العراق"، فهي لا تريد الاستقرار له؛ لأنها بذلك ستفقد السيطرة عليه فهي تريد عراقاً ضعيفاً مزعزعاً لا يملك قراره، وهذا ما ظهر جلياً مع اتساع دائرة الرفض الداخلي الشعبي لسياساتها نحو العراق، ولتصرفات الفصائل الموالية لها التي تعمل ضد مصلحة العراق، والتي تجاهد من أجل خروج القوات الأمريكية بصواريخها، ليخلو الجو لإيران، ولكن باسم السيادة الوطنية العراقية والمحافظة عليها.

مأساة الشعب العراقي الذي ينشد السلام والتعايش السلمي يجب أن تتوقف، ومَن أجرم بحقهم عليه إعادة الحياة لهم، فلا الطائفية ستفيدهم ولا المليشيات ستعينهم، إمّا أن يتخلص العراق من المأساة بإرادة شعبية وسياسية ودولية، وإما أن يستمر شعبه يراوح أزماته وطائفيته وإرهابه، وما أصاب العراق الثري والعراقيين خلال نصف قرن من محن، وكوارث، وحروب، يجب أن يكون ذلك عبرة لكل شعوب العالم، خصوصاً "المجاورة" بأن اللجوء للحوار لحل الخلافات هي الخطوة الأمثل والأفضل، وهي التي ستعكس أجواء التعايش والمحبة والتسامح لـ"عراق" يستحق أن يكون بين الدول المتقدمة، لا رهينة لدول "طامعة" و"ناقمة" تستثمر أزماته.