ثامر الحجامي يكتب:

كيف أصبح حراك تشرين ؟

   لا شك أن حراك تشرين كان علامة فارقة في تاريخ السياسة العراقية الحديثة، ومثل تحولا مهما في التفاعل الشعبي مع القضايا العامة، وإنقلابا أبيضا من غالبية الجمهور العراقي، على الأحزاب الحاكمة وطريقة إدارة الدولة، وتداعيا خطيرا كاد يعصف بمجمل العملية السياسية العراقية التي تشكلت بعد عام 2003.

   بعد عام ونصف من إنطلاق تلك المظاهرات ما زلنا نعيش أحداثها وتداعياتها، فالبعض عارضها إبتداء لأسباب كثيرة منها فكرية وأخرى عقائدية، لكن غالبها سياسية وحزبية بفعل إختلاف المفاهيم عن المتظاهرين، والإرتباط الحزبي والسياسي مع السلطة آنذاك، بينما إنطلقت أمواج الجماهير بصورة عفوية رفضا للواقع الإقتصادي والخدمي المزري وحجم الفساد المستشري في مفاصل الدولة، دون أن تكون هناك أجندة موحدة تحركهم.

 على أرض الواقع حققت تلك التظاهرات تغييرا في الحكومة العراقية، نتج عنه إشراك بعض من يسمون قادة الحراك فيها، لم تحقق نسبيا ما كانت تطمح له تلك الأمواج البشرية، لكنها ما زالت تلملم تداعيات الأحداث السابقة على المستوى المحلي والدولي، محاولة السير بقارب ينضح إليه الماء من ثقوب عدة، وصولا الى شاطئ الإنتخابات القادمة وإعلان نتائجها.

   إنقسم حراك تشرين الى جهات متعددة، فالغالبية إكتفت بتغيير الحكومة خوفا من تدهور الأوضاع الى الأسوء، بفعل ما رافق تلك المظاهرات من أحداث قتل وعنف شوهت صورتها وحاولت إخراجها عن سلميتها، بينما إنقسهم بعضهم الى جماعات متعددة تقودهم إنفعالات شخصية، دون وضوح في برنامج سياسي أو أهداف محددة، وبقي بعضهم يجول في الشوارع يثير الشغب والإعتداء على الممتلكات العامة، تحقيقا لصراعات حزبية على المال والسلطة.

   كان من إرهاصات الحراك التشريني تشكيل أحزاب متعددة تحمل توجهات مختلفة، هدفهم المشاركة في الانتخابات القادمة والمشاركة في القرار السياسي حالهم حال الأحزاب الحالية، وبالتأكيد لن يستطيعوا الحصول على جميع الأصوات فهم لا يمثلون كل العراقيين، وكذلك الأحزاب الحالية سيكون لها النصيب الأكبر في التواجد في السلطة، لذلك على التشرينيين أن يدركوا أنهم لا يمثلون الجميع وأنهم يجب أن يكتفوا عن مهاجمة الأحزاب وجمهورها ونعتها بالذيول، كما على الآخرين أن يمتنعوا عن وصفهم بالجوكرية.

  ولأن الأحزاب التشرينية حديثة العهد، ولا تمتلك من الخبرة السياسية ما يمكنها من الحصول على موقع التأثير في القرار السياسي وإدارة الدولة في المستقبل القريب على الأقل، ولما تتضح أهدافها وعناوينها الى جمهور الناخبين لغاية الآن، إنما تعتمد على الخطاب الشعبوي وردود الفعل الآنية وعملية التسقيط لكل ما موجود في الساحة السياسية صالحا كان أم طالحا، لا بد لهذا الحراك أن يعمل على إيجاد أحزاب وتيارات قريبة من توجهاتهم، فالتغريد منفردا لن يحقق الاهداف المنشودة، والعملية السياسية في العراق بنيت على تحالف كتل وأحزاب متعددة تحمل أهداف مشتركة.

   لا بد أن نفرق بين حراك تشرين العفوي الذي خرج بمظاهرات عارمة، حاملة مطالبة حقة هدفها الاصلاح الإقتصادي والسياسي، حضيت بدعم شعبي وجماهيري منقطع النظير وكادت تودي بأحزاب السلطة الحالية لو إستمرت على وتيرتها السلمية والشعبية، وبين ما يحدث الان من صراع بين جهات سياسية لا علاقة له بالمظاهرات، ونبقى ننتظر النتائج المرجوة من تلك المظاهرات بعد إعلان نتائج الانتخابات القادمة.