علي ثابت القضيبي يكتب:

الحرب والكابوس الإيراني

لم تجافِ طهران الحقيقة عندما صرحت بأن صنعاء هي العاصمة الرابعة بيدها ، وربما استخف كثيرون بهذا التصريح آنئذٍ ، لكن هذا الطرح لم يسر أحدا في خارطتنا العربية ، ولا حتى شعوب الدول التي قصدتها إيران ، وآخرها الشمال ، ويمكن أن يطرب هذا القول بيادق إيران في هذه الدول ، فهي أفردت لهم فيها مساحة للتسلط والفيد من مواردها ، لكن لأجلٍ وحسب ، والعقلية الإيرانية معروفة ، ثم هي تختزن كماً هائلاً من نار الثأر مع رقعتنا الإسلامية السنية ، تحديدا على خلفية سقوط دولتها السّاسانية على يدّ خليفتنا ابن الخطاب (رضي الله عنه) .

تجليات الواقع تقطعُ بأننا ولجنا دهليز كابوس من العيار الثقيل، هذا ليس تهويلاً من بعبع إيران، لكن الواقع أثبت أنها ليست بالخصم الهين، ثم أن غاياتها من تخومنا وحشية شرهة ، كما أن الحديث والمبادرات من طرفنا لإيقاف الحرب ، وبعد أن تفاقم علينا هول الإنفاق وسعير الإنهاك من استمراريتها ، وإيران في الظل ، فهي تدخل في سياق التّرف والابتذال في قاموس خصم من نوعية إيران ، والسبب لأنه لا بدّ من عرض صكّ يعكس كلفة صعبة وثقيلة الوطء علينا ، ومهما بلغ الترحيب والإشادة بالمبادرة السعودية الأخيرة وما قبلها .

يجيدُ الغرب نصب الفخاخ المُحكمة لمن يضعهم في خانة الخصوم ، أو لمن يَفترضُ التعاطي معهم مستقبلاً ، وأشقائنا أسقطوا من ذاكراتهم فخّ الإيقاع بالرئيس صدام حسين ، وكيف دفعوهُ دفعاً لاحتلال الكويت ، ثمّ تكالبوا عليه بمعيتهم ، ودكوا العراق دكاً وشرذموها ، والسلسلة جرّارة حتى اللحظة ، ويبدو أنها لن تقف حتى تأتي علينا جميعاً ، أو يقضي الله أمراً كان مفعولا .

يصورُ كثيرون الحرب الدائرة هنا بغير صورتها ومفاعيلها الأصل ، وبداية تحدثوا عن الحوثي مجرداً ، أي عن مجاميع شباب متهورين تلبّسوا بالاثني عشرية فجأةً، وأنها – الاثنا عشرية - ليس ذات صلة وثيقة بالزيدية ، أو أنّ ماي جري مجرد سحابة عابرة أو ... أو ...  وأغفل هؤلاء أنّ الحوثية وبدر الدين وبعده ابنه حسين ربائب إيران منذ أمدٍ ، فمنذ أكثر من عشرين عاماً خَلت ، وأفواجاً من المبتعثين اليمنيين تؤشرُ لهم الهجرة والحوزات الرسمية للحجّ إلى قُم/ طهران وللدرس هناك ، وهم بالآلاف ، أي أن الحوثية ليست ترفاً أو زندقة فكرية طارئة.

يثيرُ الحنق التّهويم الفكري الذي يثرثر به بعض من نتعاطى معهم ونفترضهم محللين سياسيين ، وذلك عندما يتحدثون عن آفاق وتطلعات إيقاف الحرب هنا ، فهم يتحدثون عن الحوثي بصفته طرفا فاعلا ومُقرراً في هذه الحرب ، حتى المبادرة السعودية جاءت مصفوفتها بمثل هكذا توصيف، هنا يعجزُ اللسان جِدياً عن توصيف وتقييم مثل هكذا طروحات ، وهي تدورُ في نفس فلك وقالب التّغابي والبُعد كثيراً عن الواقع ولا شك.

يا هؤلاء ، إن أردتم الحديث عن إيقاف الحرب ووضع حد لها ، فالخصم هناك في طهران ، هكذا هي المسألة مجردةً وبدون رتوش ، فادرسوا وقيموا كل ما في جعبتكم من خياراتٍ أو من عطاءات ، وانظروا ماذا يمكن تقديمه على مائدة إيران لتقتنع به ، أو يكسرُ شوكتها ، فتُجبرُ على كفّ يدها في هذه الحرب ، أمّا الدروشة السياسية ، أو تلبيس الدمى بغير ثيابها ، أو نَصبُها في عِدادِ الأنداد والخصوم حقاً أو ... أو ... فهذا ليس من الواقع في شيء أصلاً، أليس كذلك؟!