واثق الجابري يكتب لـ(اليوم الثامن):

الأقلية في الحوار الوطني

تتفق معظم القوى السياسية والشعبية، على أهمية إجراء حوار وطني لإصلاح العملية السياسية، إلاّ  تلك التي لا تريد للعراق خيرا، أو تعتقد أن الحلول لن تأتي بالسبل الديمقراطية والدبلوماسية، بل بطرق أخرى.. 

 لا أحد ينكر أهمية الحوار  في حل القضايا الخلافية، وحتى الحروب تنتهي بالحلول الدبلوماسية عندما  تعجز أدواتها الحربية، وهذا سياق بين الدول المتحاربة.. وفي العراق إختلافات لو أن أصحابها إنطلقوا من المشتركات الإيجابية، لما تعقدت أزمات يمكن حلها بالتفاهم، الذي يردم الهوة بين القوى السياسية وقواعدها الشعبية، فإختلاف القوى السياسية إنعكس على طبيعة تقديم الخدمة، وزج الشارع بها.. وبعضهم أصبح لا يؤمن بالآخر مخالفاً لوسائل الديمقراطية، والتعبير عن الرأي في الإعتراض والإحتجاج، وإرغام القوة السياسية على الإنصياع الى أمر الواقع.

 شاع إستخدام مصطلح الحوار الوطني، دون تلمس نتائج إيجابية أو إتفاق على صيغ تطبيقه، وعادة ما يكون مفهوم الحوار بقضايا خلافية، وإزالة سوء الفهم والوصول الى نقاط مشتركة، ومساعدة الدولة على صياغة سياساتها، لتحقيق الحاجة المجتمعية، وبما أن للجهور صوت مسموع، فليس من الممكن أن يكون الحوار بين النخب السياسية بعيدا عنهم، ليكتسب الحوار واقعية إجتماعية وشرعية شعبية، ويسهم بإمتصاص السخط الشعبي.. 

الإحتجاجات الشعبية نتيجة واضحة لتجاهل صانع القرار لصوت المجتمع وحاجاته، ولكنها ليس بعيدة عن تمهيد الخطوات له، وتحديد الآليات والمخرجات، والتطبيق ضمن سقوف زمنية محددة، حسب القضايا المطروحة.

 يتناول الحوار الوطني قضايا مرتبطة بالصالح العام، وما يتعلق بالشكل المباشر بحياة الأفراد، وأجراءات حكومية وقضائية تكشف الحقائق وتحاكم مرتكبي الجرائم وتنصف الضحايا، لإبعاد العنف وروح الإنتقام والشكوك المتبادلة والعقاب الجماعي، وتبنت حكومات سابقة مبدأ الحوار الوطني، لكنها لم تصل الى حلول جذرية، بل تعلقت بشريحة وتدور في فلك النخبوية السياسية، التي أشركت معها منظمات  مجتمع مدني أو شرائح كانت تستقطبها على حساب الدولة، فيما طرحت قوى سياسية آخرى مبدأ الحوار، إلاّ أن كل ذلك لم ينجح ولم يطبق نتيجة التجاذبات والتنافس السياسي، الذي لا يتبنى طرح منافسيه وأن كان  مؤمناً به، وبالتالي أصبح الحديث عن حوار وطني أو  إعتراف بالآخر مجرد إستهلاك إعلامي، حين توافق كل القوى عليه ولا تعمل به على أرض الواقع.

أسهمت السياسات المتشنجة في تعميق الإنقسام السياسي والمجتمعي، والهوة بين الطبقة السياسية والمجتمع،  والعزوف عن إنتخابات 2018م، خير دليل للأحتجاج الشعبي ضد  معظم النخب السياسية، لتأتي الإحتجاجات الشعبية، التي لم  يعترض أحد حتى من الطبقة السياسية على أحقية مطالبها، وتعاطف طيف شعبي كبير معها، لذا كان التعبير بالتظاهر وهو جزء من الحوار بصوتٍ عالي،  كتعبير عن  رفض المسارات  الخاطئة وتحديد أساليب جديدة للإصلاح.

 إن الدعوات المتكررة من القوى السياسية والشعبية بضرورة الحوار، دليل  على أنها تؤمن بالأساليب الديمقراطية لمعالجة الأزمات، ولكن الإختلاف في طرق التعاطي مع منطلقاته وثوابته، لذا وضعت بعض القوى شروط مسبقة ورفعت سقوف مطالبها، في خطوة  تعد معرقلة أحياناً، ومخالفة لقناعاتها التي تفترض أن الحوار هو سبيل االحلول الديمقراطية، وأنه يمثل رأي أغلبية التي تؤمن به، إلاّ من تورط بجرائم إرهابية وشارك بسفك دماء العراقيين، وحاول إشاعة الفوضى  وسلب هيبة الدولة.. 

من يبحث عن الحوار لابد أن يؤمن أنه جزء من وطن وليس صاحب قراره، ومهيمن على الموارد وفاقدة للقاعدة الشعبية، التي تؤمن بالعدالة والمساواة، ولا أفضلية لطرف على آخر في ظل دولة ديمقراطية تحافظ على العدالة الإجتماعية، وتحترم قرار صناديق الإقتراع.

عبرت مواقف التضامن العراقي بمختلف أطيافه،  عن رفض الأعمال الإرهابية، ومساندة القوات الأمنية في مواجهة بقايا العصابات، والتنديد بجرائم القتل والإغتيالات التي تطال الأبرياء والناشطين، والأمنيات والخطابات التي ترفض الدعاوى الطائفية والدعوات التي تطالب بإعادة الدكتاتورية، وبذلك فأن الأغلبية تؤمن بالحوار، وتبقى أقلية لا  تريد للعراق إستقراراً، فتتصور أن السلاح والتخريب هو  طريق الهمينة، وجر العراق الى ساحات بعيدة عن بوصلة وطنية تحقق مصالح جميع قواه السياسية والشعبية، وبذلك من خلال التجربة، شهد العراقيون أن الجرائم والتخريب تستهدف أفراد من مجتمع متعايش، وأن هؤلاء ليسوا  ممثلي طوائف أو مكونات أو أحزاب أو قوى شعبية.