فهد ديباجي يكتب:
الشعب اليمني ليس وحيداً
حين جاء الإعلان الرسمي لبدء عملية عاصفة الحزم قبل سنوات، التي كانت نتيجة حتمية لوقف فوضى أحداث انقلاب الحوثيين.
ووضع أيديهم على العاصمة اليمنية، وقتذاك سارع الحوثيون إلى عقد اتفاق مع إيران يتناول تسيير ما يزيد على عشر رحلات أسبوعياً بين طهران وصنعاء، ونقل معدات عسكرية ورجال وإجراء تدريبات في إيران مع تجييش مذهبيّ.
حينها لا يكاد أي عربي حر إلا وعبر عن ابتهاجه وشعوره بالسعادة لهذا الإعلان وهذه العاصفة العربية، فما بالكم بما كان يخالج أبناء الشعب اليمني في كل محافظاته سعياً منهم للتحرر من المليشيات الحوثية الكهنوتية المدعومة من إيران، أتبع ذلك التحالف العربي هذه العاصفة الحازمة عملية إعادة الأمل، وذلك بعد أن أعلنت قيادة التحالف انتهاء عملية عاصفة الحزم بتدمير الصواريخ الباليستية والأسلحة الثقيلة التي تشكل تهديداً لأمن السعودية والدول المجاورة، والتي كانت بحوزة مليشيا الحوثيين، إلا أن تلكؤ بعض المكونات الداخلية والمجتمع الدولي والأمم المتحدة في تنفيذ القرارات والعقوبات الصادرة التي كان من أهمها حظر دخول وتوريد وتهريب الأسلحة، أسهم في تعقيد الأزمة وتحولت مع الوقت إلى مسألة إنسانية وسياسية معقدة للغاية، وأصبحت من أهم وأكبر التحديات التي أصبح العالم يسعى لوضع حد لها بأسرع وقت وأنسب طريقة ممكنة.
بينما تشهد الحرب في اليمن تصعيدا حوثيا في محافظة مأرب في محاولة توجيه ضربة إلى الحكومة الشرعية، وتصعيداً عبر السماء يستهدف مناطق بالمملكة من خلال الصواريخ والطائرات المسيّرة، لا سيما بعد التوجهات والسياقات الجديدة من حكومة بايدن المخالفة لسياسات حكومة الرئيس السابق دونالد ترامب، كقرار رفع اسم الحوثي من قائمة الإرهاب الأمريكية، وتقديم إطار وموقف أمريكي تراه الحكومة الجديدة يؤسّس لعملية سلام يوقف الحرب الدائرة بالبحث عن حل ينهي القتال في اليمن، من هنا التقطت المملكة الرسالة وعرفت ما يحاك ويراد لها في اليمن؛ لهذا قدمت قائدة التحالف بنفسها مبادرة وحلولاً جذرية تضع حداً لأزمة هذا البلد السياسية والإنسانية بعد موافقة الحكومة اليمنية عليها تأكيداً منها على استمرار حرصها على أمن واستقرار اليمن والمنطقة، والدعم الجاد العملي للسلام، وإنهاء الأزمة اليمنية، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني، ودعماً للجهود السياسية الدولية للتوصل إلى حل سياسي شامل بين الأطراف اليمنية، وحفظ وصون دماء اليمنيين، والبدء في عملية التنمية وإعادة الإعمار، والمحافظة على مصالح الشعب اليمني من بائعي الوطن لإيران، وكأنها بهذه المبادرة الدبلوماسية تضع المجتمع ليضطلع بواجباته وتضع جماعة الحوثي أمام اختبار حقيقي، فإما أن تجنح للسلام وإما أن تواصل تعنتها لتثبت للعالم أنها مجرد أداة تنفذ أجندات النظام الإيراني دون تمييز للمصالح.
المبادرة صدرت بالتنسيق مع الجانب الأمريكي وهذا يمنحها بُعداً دولياً، ويوسع دائرة الواقفين على الحقيقة التي غابت عن بعض العواصم الغربية التي وجهت سهام نقدها إلى التحالف العربي وحملته وِزر المأساة اليمنية، كما أن المملكة قطعت الطريق أمام الدعوات لسحب دعمها وقوّاتها من اليمن قبل أن تتهيّأ الظروف الموضوعية لذلك، محذّرة من فوضى عارمة وحمّام دم قد ينتجان عن انسحاب تلك القوّات من جانب واحد، خصوصاً في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة المليشيات الحوثية، يتعرض اليمنيون لحرب اقتصادية شاملة مست لقمة عيشهم، وتهدد بقاءهم على قيد الحياة، وتنذر بحدوث إبادة جماعية إن استمر الوضع المعيشي بهذا الشكل.
لقد أصبح العالم كله يدرك أن رفض الحوثيين للمبادرة السعودية أمر متوقع لأن إيران ستخسر واحدة من أهم أوراقها في صراعها وتفاوضها مع الولايات المتحدة، ويدرك أن المبادرة فرصة لحل الأزمة اليمنية يفسدها تعنت الحوثي، تجاهلها يعني مزيداً من إهدار الوقت، ومزيداً من استمرار الصراع، ويدرك حقيقة أزمة الشعب اليمني التي تكمن بالأساس في مليشيات الحوثي التي تصر على إطالة أمد الحرب لأسباب لا علاقة لها بمصلحة الشعب اليمني وإنما لتحقيق مصالح إيران التي تستخدمهم كورقة في مفاوضاتها مع القوى الإقليمية والدولية، وهي كاشفة لكل القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لعلها تكتشف من هم الحوثيون، وموضحة في نفس الوقت موقف الحوثيين الذين يدقون آخر مسمار في نعش السلام، وموقفهم الثابت في إرسال المسيّرات والصواريخ، والرافض لأي سلام، ولقد أثبتت المملكة أن الشعب اليمني ليس وحيداً ويعني لها الكثير، وأعلنت عاصفة الحزم من أجله وقدمت المبادرة من أجله ولتخرجه من النفق المظلم، إضافة إلى المساعدات التي لم ولن تتوقف، مع استمرار وقوفها والتزامها ودعمها لإعمار اليمن، ليكون فاعلاً ضمن الدول المساهمة في الشرق الأوسط الجديد المستقر والآمن بعيداً عن الجوع والمرض والفقر والصراع.