د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

رمضان وحديث الذكريات (1)

بعد موافقة إدارة اليوم الثامن وطوال أيام شهر رمضان المبارك  سأكتب حلقات يومية حصرا لصحيفة   اليوم الثامن عبارة عن  ذكريات خاصة وعامة عن الشهر الكريم  تلامس أوجاع الناس   بعيدا عن هموم السياسة في اليمن وتبعاتها في محاولة منا لإخراج القارئ الكريم من مسلسل الدم والأخبار المحزنة في زمن قست فيه قلوب أهل اليمن فلم تعد كما ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده والتابعين عندما قال في الحديث الشريف  "  أَتاكُمْ أهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أرَقُّ أفْئِدَةً وأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإيمانُ يَمانٍ والحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ، والفَخْرُ والخُيَلاءُ في أصْحابِ الإبِلِ، والسَّكِينَةُ والوَقارُ في أهْلِ الغَنَمِ." الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر صحيح البخاري. ولعل السبب في قسوة القلوب هذه هي نتاج ارتهان السلالة التي تدعي أنها الأحق بالولاية والسيادة والرياده والاصطفاء الإلهي بأن الله سبحانه قد اختصهم وحدهم   دون سائر البشر في حكم اليمن  وأهله  وهم يكذبون و يفترون وأجازوا لأنفسهم الأمارة بالسوء   استباحة أموال الناس  وانتهاك  أعراضهم بالتواطؤ مع الخونة والمتآمرين وضعاف النفوس  تحت شعارات كاذبة ما أنزل الله بها من سلطان حتى أثخنوا في قتل أهل اليمن وهم ليسوا من أهله أصلا ،وتناسوا أنهم ليسوا سوى بيادق في يد الفرس وهذا ليس بغريب فكل فرع يحن إلى أصله !!
 ونحن اليوم على أبواب شهر رمضان المبارك الذي قال فيه الحق سبحانه وتعالى :  (شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر..) وقال سبحانه: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وقال  النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه أهل السنن. ومن فضائل شهر رمضان: أن شهر رمضان شهر تكفير الذنوب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم.
عن الأصمعي قال )) إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل فا نظر إلى  حنينه إلى أوطانه ،وتشوقه إلى إخوانه ، وبكائه على ما مضى من زمانه )) ونحن نقول :
سرعان ما تطوى أيام  شهر شعبان من كل عام حتى عرف عند الناس ب  "القصير" لسرعة أيامه واختلافها عن شهور السنة ، وكانت الحياة في أرياف الجنوب العربي في الستينات من القرن الماضي  بسيطة للغاية ولكنها جميلة تنشر الفرح وتشع البهجة والسرور والتآلف والمحبة في النفوس ، وفي نهاية شهر شعبان  يتوجه  الآباء إلى السوق لتأمين وشراء مصاريف الشهر الكريم  حيث كانت الأسواق عامرة والتجارة رائجة وزاخرة بشتى الأصناف  ومن ذلك على سبيل المثال  : شراء كيس من القمح الأحمر " البر الميساني "  والشوربه والدخن والذره  والرز والقهوة والتمر الذي يصل من  حضرموت ومنطقة الواحدي حيث تتم تعبئته فيما يعرف ب " العبية أو القوصرة " وهي على شكل كيس من الخوص - عزف النخيل محكم بعناية حتى لا يفسد ويتم أيضا نقل باقي   المواد الاستهلاكية من سوق الصعيد على الحمير إلى بيوت الأهالي  لندرة السيارات الصغيرة في ذلك الوقت !!
إلى قرية سرع :
كان جدي الشيخ أحمد بن صالح بن فريد يمتلك مزرعة كبيرة تسمى "  لصلاب " في وادي   سرع  وتقع على الضفة الجنوبية للوادي   وقد اشتراها من ماله الخاص وكان يحبها حبا جما وفضلها على أملاكه الموروثة من أجداده في الصعيد وأنتقل إلى سرع وسكن عند أصهاره المشايخ آل باسويد في قرية " الدخول ".
ويرسل جدي بغله الخاص إلى الصعيد في المواسم  وخاصة في شهر رمضان
 و يقوم والدي بشراء مصاريف رمضان وتحميلها على البغل  وإرسالها مع  رجل  مسلح من أصحابه ويصطحبني معه  إلى سرع والتي تبعد ساعة ونصف سيرا على الأقدام . ولا زلت أتذكر عندما كنا نتجاوز " الركيب " وهو عقبة صخرية شديدة الوعورة  فيها  منزلقات ناعمة الملمس بالغة الخطورة على الإنسان والحيوان خاصة وإذا زلت قدم فيها يصاب بكسور  ..وقد  شهد ذلك المنزلق الصخري  العديد من الحوادث حيث تردى فيها العديد من المواشي وخاصة الجمال والأبقار وكان مصيرها الهلاك !!
وقد تجاوزنا تلك الصخور مع البغل المحمل بالأغراض بسلام ولله الحمد والشكر وبعد اجتياز تلك المزالق الصخرية  وصلنا جول الركيب ويتساوى فيه  الطريق وكان على يسارنا صخرة ناعمة يصل طولها إلى مترين وعرضها حوالي المتر وتعرف ب " المروازة " والتحدي هنا للمارة لمن يجلس عليها ثم يقوم دون استخدام يديه ويعتمد على قوة ساقيه فقط  وينهض دون مساعدة من أحد ولا يستطيع تجاوز ذلك التحدي إلا الشباب الأقوياء ولا أزعم أنني منهم رغم أنني قد حاولت عدة مرات ولكنني فشلت ..وإلى اللقاء غدا  في الحلقة الثانية من ذكريات رمضان .
د. علوي عمر بن فريد