د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

رمضان وحديث الذكريات (2 )

إلى قرية سرع


واصلنا سيرنا غربا صعودا عبر طريق ضيق بين الجبال حتى وصلنا كوم حبره الذي يقع في منتصف الطريق تقريبا وشاهدنا كومين من الحجارة يرتفع كل منهما حوالي مترين على اليمين واليسار ويقذف عليهما المارة الذين يعبرون بينهما بحجرين حيث تقول الأسطورة الشعبية المتداولة أن روحا شريرة تكمن في هذا المكان وأن على من يعبر بينهما أن يرمي بحجرين لطرد تلك الأرواح الشريرة ثم تجاوزنا الكوم ومعنا البغل الذي يحمل مونة رمضان لجدي .. أخذ الطريق ينحدر غربا ثم شاهدنا قصر جدي لأمي الشيخ مجلبع بن مرصاص بن فريد على قمة جبل حلاب وتابعنا سيرنا حتى دخلنا ساقية كبيرة حتى وصلنا بئر آل باسويد التي تقع على ضفة الوادي شمالا ثم عبرنا بين الأطيان المثمرة بسنابل القمح حتى وصلنا مطرح الدخول والمطرح هو الحي أو القرية الصغيرة لغة . وتقع تحت جبل " مكونه "الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 2000مترا !!
وصلنا بيت جدي الشيخ أحمد بن صالح بن فريد بعد أن سرنا مدة ساعة ونصف تماما ورحب بنا واستضافنا في بيته المكون من ثلاثة أدوار في الدور الأرضي المواشي وفي الثاني خلايا النحل ومخازن الحبوب والسليط " زيت السمسم "
والعسل أما الدور الثالث المجلس وغرف النوم .وفي تلك الأيام لا توجد الكهرباء في القرى الصغيرة وكان الأهالي يستخدمون الفوانيس والأتاريك ليلا كما يطبخون الطعام على الحطب وله طعم لذيذ و مميز عن الغاز المنتشر اليوم !!
ولا توجد ثلاجات لحفظ الطعام في ذلك الوقت ويحفظون اللحوم بطريقة التجفيف حيث يقوم جدي بذبح كبش سمين ثم يتم تقطيعه وإضافة الملح والكركم له ثم ينشر في طبق كبير وتعرف ب " الخليعة " وتغطى بقطعة من الشاش الأبيض في غرفة جيدة التهويه حتى لا يفسد اللحم ويتم طبخه على دفعات حسب الحاجة !!
و في شهر رمضان من تلك الأيام لا زال صدى صوت الشيبة المنحاز باسويد رحمه الله يتردد في أذني حيث يردد بعض الترانيم الدينية قبيل المغرب من على سطح منزله حتى أذان المغرب .
ومن المأكولات في رمضان يقدم التمر والقهوة العربية عند الإفطار وبعد صلاة المغرب تقدم الشوربة واللحوح والمرق وأحيانا الرز واللحم ، وتقام صلاتي العشاء والتراويح في المساجد الصغيرة داخل الأحياء وبعد الانتهاء من الصلاة تقدم العطريه " الشعيرية " أو اللبنية " المهلبية وأحيانا الفواكه المعلبة المستوردة من الصين مثل : الأناناس أو الفرسك التي تصل من عدن ..وكان الأهالي لا يزرعون في ذلك الوقت أي نوع من الخضروات أو الفواكه إلا بعض البساتين الصغيرة والمحدودة في الصعيد التي كانت تزرع الليمون الحامض والبرتقال والرمان والجوافه والعمبا !!
تربية النحل :
قال الله عز وجل : (( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس )) النحل ( 68و69 )
يعمل الكثير من أبناء العوالق في تربية النحل وقد توارثوا هذه المهنة من أسلافهم وحذقوا فيها كوسيلة لكسب عيشهم بحيث لا يكاد يخلوا بيتا من خلايا النحل وكانوا يضعونها قديما في الدور الثاني من المنزل في غرفة تعرف ب السفل وهي غرفة مستطيلة الشكل يتم وضع من 2 إلى 4 جبوح كبيرة فيها وتنصب على أعواد خشبية ترتفع قرابة المتر والنصف عن سطح الأرض وهي خلايا مجوفه يتراوح قطرها من 40 إلى 60 سم ويبلغ طول كل واحدة منها حوالي متر ونصف المتر ويسمونها " الجبح " يبني فيها النحل خلاياه ويخرج ويدخل عبر نوافذ صغيرة ويجني من الحقول وخاصة من زهور العلوب " السدر " وكذلك من سنابل الدخن وبعض الأشجار البرية التي تنتشر في جبال الكور وسفوح الجبال ويعد عسل وادي يشبم وجردان ودوعن من أشهر وأجود أنواع العسل في العالم حيث تباع العلبة المستديرة التي تزن رطلين من العسل البغية حوالي مائة دولار أمريكي ..!!
عسل دوعن "
برزت شهرة العسل الدوعني كعلامة تجارية رائجة على المستوى العالمي وتعود تسميته إلى وادي دوعن والذي يمتاز بكثافة أشجار السدر وكذا يمتاز ببعض النباتات العطرية التي تنبت في مواسم مختلفة ، وتشير المصادر إلى أن شهرة العسل الدوعني ضاربة في القدم حيث كان العسل يحتل المرتبة الثالثة في اقتصاديات مملكة حضرموت خلال القرن العاشر قبل الميلاد .
يشير باحثون إلى أن للعسل الدوعني وعسل السدر عموماً خصائص طبية حيث يستخدم في علاج القرحة والربو والالتهابات والسرطان وغيرها كما أن هناك عسل السمر والذي يستخرج من أشجار شوكيه ويستخدم في علاج أمراض الكبد والبرد وفقر الدم والملا ريا والتيفوئيد والسكر ومن فوائده أيضاً انه مقوي عام ويدخل ضمن تراكيب كثير من الأدوية والمستحضرات والوصفات الطبية والعلاجية فضلاً عن استخدامه كمطهر ومعقم.
وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة .
د. علوي عمر بن فريد