د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

رمضان وحديث الذكريات (6)

في فصل الصيف يستمر تدفق السيول أحيانا مدة ثلاثة أيام متتالية في وادي  مربون حيث يبدأ بسيول سريعة  تنحدر من شعاب القاع  مثل :  ضومرين والكويدر والسويس وحبره ، وسيولها تقطع السواقي لشدة اندفاعها .. وإذا ترادف المطر واتصل على الوادي وعلى جبال الكور تنهمر السيول الكبيرة من شعاب الكور وأشهرها  شعب مربون  ومساييله وروافده الأخرى التي  تأتي متأخرة لأن بعضها تنحدر  من شعاب  بعيدة جدا من قمم الجنن والبشيرة!!
كما ترفد الوادي كل ما اتجهنا شرقا شعاب : يارومه ، وعيمنه، وأربضين ، وشعب معدو ،وخوواو، والشعبه ،
 وكنت التقي مع رفاق الطفولة في الوادي بعد انحسار السيول  وهم : د. حسن أبو بكر ،و د. صالح منصور، وعبدالله دحاك، ومنصور البرد ،ولحمر بن هادي بن عوض، والأستاذ محمد سالم فريد، وكاتب السطور، وقد كان هؤلاء من أقراني ونتفاوت في السن  لكننا كنا نلعب معا وكان  محمد سالم أكبرنا سنا ويبرع  في  صناعة السيارات من شجرة السلع حيث يستخرج  أطرافها الطرية الخضراء ثم يشكها بالشوك ولا ينافسه أحد في هذا المجال ، كما أن لديه موهبة في الغناء وله صوت شجي ،وكان يغني للموسيقار محمد عبد الوهاب وخاصة أغنية (خي )  وكذلك أغاني محمد صالح حمدون وغيرها ،وكان يذهب في العطل الصيفية عند شقيقه  الذي يعمل في مصافي عدن ويسكن في حي القلوعه ، وعندما يعود يحكي لنا قصصا عجيبة وغريبة عن عدن  وجمالها وأسواقها  ومعيشة الناس فيها وعن السيارات والسينما ، وبالعودة  إلى موسم الأمطار والسيول في الصيف.. وذات يوم عصرا وبينما  كنا نسبح في الوادي وقد انكسرت حدة السيل  ولكنه  ظل يجري في الوادي  بصورة خفيفة وكنا نعتلي صاع الحامورة على ارتفاع  ثلاثة أمتار ونقفز إلى وسط عقلة مدورة عمقها حوالي المترين تحت الصاع  ونسبح فيها  ثم نكرر ذلك وهكذا وبينما ونحن نسبح فرحين وغير عابئين بما حولنا إذ بنا نسمع فجأة صراخ النساء من فوق الصاع المرتفع ولا نعرف لماذا الصراخ ويلوحن  لنا بأيديهن بحركات انفعالية في اتجاه مجرى أعلى  الوادي وانتبهنا  ثم فهمنا أن هناك سيل كبير قادم بسرعة نحونا وهربنا من الوادي في آخر لحظة وكنا على وشك الغرق وكنت آخر واحد يخرج من الوادي وموجات السيل تلامس رجلي  وحمدنا الله على السلامة ولولا عناية الله ثم تنبيه النساء لغرقنا !!
 المشكلة أننا في تلك السن المبكرة لا ندرك مخاطر السيول ولا نحسب عواقب الأمور ، وبعد أسبوع من تلك المخاطرة كنا على موعد مع حيرة ساقية البواطن العميقة  حيث يتجمع في قاعها مخلفات السيول مثل :  الزرب والشوك  وفروع الأشجار والوحل   والمياه الراكدة  وتشكل بركة  طولها  حوالي عشرة أمتار وعرضها أربعة أمتار وعندما يقفز الأطفال  فيها ويصلون إلى العمق قد تعلق رجل أحدهم بتلك المخلفات ولا يستطيع الفكاك منها مما يتسبب ذلك في غرقه لا سمح الله وغالبا ما نسبح ونقفز فيها والبعض منا في سروال المدرسة أو لابسا فوطة وأحيانا يسبح البعض عاريا وكبيرنا لا يتجاور العاشرة من العمر ، وذات يوم ظهرا وكنا نسبح وفوجئنا بأبي يتسلل إلى  حافة الحيرة ونحن بداخلها وهو يحمل عصا من جريد النخل ويقف على حافة الحيرة و يتربص بنا وأسقط في أيدينا  وخرجنا وقد تفرقنا  هاربين لا نلوي على شيء طلبا للنجاة   وهو يلاحقنا والبعض منا ترك فوطته أو سرواله  ويجري عاريا  طالبا النجاة .. وكالعادة  تمكن مني و وين يوجعك يا علوي ؟؟!!! وأخذ يمشطنا بالعصا أنا وعمي محسن مشطا موجعا ولكن عمي نفذ بجلده وهرب أما أنا لم تسعفني رجلاي من الهرب من شدة الخوف وسلمت أمري لله وأنا أصرخ من الألم وهو يقول لي : قل توبة ... وأنا اردد توبة.. توبة .. وهو يمشطني بالعصا وأنا أصيح : توبة خلاص ما أسبح !!
 وكان درسا قاسيا لن أنساه والى اللقاء في الحلقة السابعة .
د. علوي عمر بن فريد