د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات ( 12 ) الحياة اليومية بعد الدراسة
يبدأ الدوام المدرسي من يوم السبت وحتى يوم الخميس , وجدولنا الأسبوعي عبارة عن اربع حصص كل يوم يتخللها استراحة لمدة نصف ساعة تقريبا ثم نعود لإكمال حصتين ثم يقرع الجرس و ينتهي الدوام في الساعة الثانية عشرة والنصف ثم ننصرف الى بيوتنا !!
ونجتمع معشر أطفال الهجر عصرا ونجلس على أسوام مزرعتنا "الروحا" ومياه العتم او الساقية الصغيرة تمر تحت ارجلنا وتنساب المياه من البئر التي تستخرج بواسطة مكينة الماء المركبة على بئر النقب ويتدفق الماء في الساقية الصغيرة او العتوم التي تنظم المياه الى المطير التي تحفها سنابل القمح و النباتات الخضراء الجميلة مثل : الشمار , والشبرم , وغيرها ولها أغصان ريانة خضراء وزهور بيضاء , وصفراء رائعة , ويزيد ارتفاعها عن متر واحد . وعلى مدى البصر أينما اتجهت الأنظار تمتد حقول القمح طول الوادي وعرضه ولطالما جلست لوحدي بين أحضان تلك الطبيعة الزراعية الجميلة وانا أقرأ أجمل القصص والروايات ويجنح بي الخيال في تلك الأيام الخوالي عند قراءة قصص : السندباد البحري , ماجدولين , البؤساء , وغيرها واحلق مع تلك القصص في عوالم من السحر والخيال والأحلام وخاصة يوم الخميس !!
واحيانا التقي مع أقراني في الوادي عصرا ونلعب العابا شعبية مثل : القاش , والول , والسلس , والهجة , وتيس أعمى , والقفز من فوق الحامورة , النصاع , والسباق . ونشعل النار ونتحلق حولها لتخفيف برودة الجو , ويذهب البعض منا لصيد العصافير ونصب العيدان الملفوفة بالطوب الهدال , وهو مادة صمغية لزجة نضع حواليها حبوب الدخن على عتوم الماء ثم تلتصق بالطيور , وتتلوى بأرجلها فلا تقوى على الطيران ثم نمسك بها واحيانا نصطاد الطيور بالمنطب , وقد شعرت بالزهو ذات يوم وأنا مقبل على رفاقي وأنا احمل حمامة وعصفورا كبيرا يسمى اليعجري .. وكم كنا سعداء ونحن نشوي تلك العصافير بالتساوي !!
ويعود السبب ليس في دقة رمايتي او حرفيتي بل في نوعية المنطب الذي وجده أحد الأصدقاء في احدى السواقي لشاب اكبر منا معروف بدقته في صناعتها وحرفيتها وأهداني إياه !!
وكنا نتعامل مع الطبيعة بكل ما فيها من دواب وهوام وكنا نخشى المرور عند بعض البيوت الخربة اعتقادا منا بأن الجن يسكنها ونهرب من الطرق القريبة منها اما في الظلام يستحيل ان نعبر بالقرب منها , ومن تلك البيوت ( بيت عبادي ) وهو بيت طيني قديم قد سقط نصفه وبقي النصف الآخر معلقاً !!
وكنا نسمع من أهلنا عن شخصيات اسطورية تظهر في الظلام مثل : عبد البئر , والهمامي بضم الهاء , وقعود الليل , ويذكرون انها تظهر في الظلام ربما لترهيبنا للعودة الى بيوتنا قبل حلول الظلام !!
وفي بعض الأحيان نتعرض لهجوم مباغت من شباب حي الواسطة الأكبر سنا منا , بقيادة الدوبحي , وسالم خميس , وصالح الباقري , وغيرهم الكثيرون , ويحملون علينا بوابل من الحجارة بالرجم او بالخرير ( المقلاع ) !!
ومن جانبنا يهب محمد سالم , وحسن عجرومه , ومنصور البرد , وعلي هادي بن عوض , وأخيه لحمر البزعلي , وصالح منصور , والعم محسن أحمد , وكاتب السطور , ونواجههم بالمثل وتمتد المعركة من فوق لسوام والوادي وبين البيوت في الهجر وخط التماس الفاصل بين عيال الهجر والواسطة هو مقود بئر علوي بن صالح !!
ويستمر التراشق بالحجارة ويصاب البعض منا في رأسه او في اطرافه الأخرى وتسيل الدماء وكأننا في حرب داحس والغبراء .. ثم يخرج كبار السن يحملون عصيهم ويطاردون الجموع المتحاربة ويفرون وتنتهي المعركة !!!
ويتم حصر الخسائر والاصابات .. ويتوعد كل طرف منا الفريق الآخر بمعركة ملحمية فاصلة في قادم الأيام .. وحتى الآن لم أجد أي تفسير لتلك الحملات العدوانية !!!
ونتكتم على تلك المعارك الملحمية ولا نخبر بها أهالينا ونخفي اصابتنا عنهم وفي اليوم التالي تصل الأخبار الى إدارة المدرسة ويتم استدعاء الأطراف المتصارعة بالاسم ويتم انزال العقاب اللازم بهم !!
ولكن الصراع يتجدد بين الحين والآخر بعد هدنة سرعان ما تنهار ولا تصمد الا بضعة أيام !!
كما كنا داخل المدرسة نشكل مجموعات ضد بعضنا البعض وغالبا ما تنشب الاشتباكات الدامية بالعصي والحجارة بيننا خارج المدرسة وفي غفلة من الإدارة والأهل ..
والى اللقاء في الحلقة الثالثة عشر
د. علوي عمر بن فريد