علي ثابت القضيبي يكتب لـ(اليوم الثامن):

نفس منطق مابعد 1967م !

* بعد تناولي لمقالي الموسوم ب ( مضطرون للصراخ ) ، أذهلني إندفاع ( البعض ) بتوصيفي بالخصم للجنوب وقضيته ! يا إلهي ، وكأنّ هؤلاء لم يقرأوا بتمعن نص موضوعي ذاك ، أو وكأنهم لم يقرأوا كل تناولاتي منذو نهايات 1992م وحتى اليوم ، أي حتى ماقبل ظهور حراكنا الجنوبي ، ومؤسف أن من هؤلاء من طفق يقذع ويشتم بأحط العبارات ! هؤلاء كيف يقيمون مواقف الناس ويصنفونهم بالله ؟!

* المسألة هي في مدى النضج والثقافة لقرأة الٱخر وتقييمه ، أو في الجنوح الى التقييمات الغوغائية المتطرفة والنزقة ، أو عبر التلقينات الخاطئة ، والتي يمكن أن يدسها لك أكبر خصم لدود لك ولبلادك ، ولكنه يجيد تمثيل دور الصديق المخلص ، وانت بكل سطحية تبتلع تلقيناته وتركبها على الٱخر ، وهذا حدث في جنوبنا سابقا وكثيرا ايضا ، ومعروف من اي طرف أو جهة .

* مثل هذا المنطق الأعرج ، فقد تسبّب بطحن وتشريد الٱف الكوادر والشخصيات الوطنية وكبار التجار من جنوبنا ، وهم نفس الجنوبيين الذين أسهموا في بناء ونهضة جوارنا الإقليمي ، بل وترتب على ذلك قذف قوافل من أهاليهم ومحبيهم وتحويلهم الى خانة الخصوم ، ولذلك يعاني جنوبنا منذو مابعد 1967م الى اليوم من غائلة التمزق والتباينات ، وهي التي تبرز بشكل ملحوظ في مشهدنا الراهن بأبشع الصور والتجليات ، وفي حالة لامثيل لها مطلقا في كل وطننا العربي !

* السيدة العدنية والقامة الجنوبية السامقة ماهيه نجيب إحدى هذه الكوادر ، فهي أول من سعى وناضل بصلابة لنيل المرأة العدنية والجنوبية حضورها وخروجها من قمقم وسجن الجارية التي عاشته قبل ظهورها ، وناضلت ضدّ مجتمعها ، وضد البريطانيين الذين يحكموه ، وإفتتحت صحيفتها النسوية الأولى في عدن والجنوب وكل الجزيرة العربية لأجل المرأة ، وكل هذا من حر مالها ، وبعد نجاحها في هدفها ، وبعد نيلنا لإستقلالنا ، كان من جنود وضباط أمننا بعد الإستقلال من يواصل تهديداته التلفونية لها ، والحجة أنها عميلة للإستعمار ! يا إلهي ، بعد كل ماإجترحته وقاتلت لأجله وخسرت من مالها ، وبعد تعرضها للتنكيل من الإستعمار ومن مجتمعها هي عميلة للإستعمار ! لذلك هربت متشردة الى السعودية حتى وفاتها ، تصوّروا بالله عليكم !

* بعد الإستقلال ، كنا نجيئُ بالجاهل وغير المتعلم من أقاصي البلاد ، ونُوليه منصباً أرفع من مستواه وخبراته ، والحجة (المشاركة في السلطة ) ، أو نضعهُ في جهاز أمن الدولة ، ونعبّئهُ بالمصطلحات الجوفاء وغير الدقيقة ، وينطلق هو يمارس مهامه وفقاً لها - هذا كمبرادوري - هذا عميل - هذا رأسمالي وهذا ... وهذا ... ، وينطلق يتلصّص ويعتقل في الناس على هذه الأسس ، ويحقق ويعذب في ناس أبرياء وبعيدين تماما عن هذه التوصيفات ، بل هم مواطنين عاديين بسطاء ، وقُدنا جنوبنا الى هاوية سحيقة نتلظّى في أتونها حتى اليوم !

* ياهذا البعض متى ستفيقوا ؟! وجنوبنا بمثل هذه العقلية الرثة ، أو بهذه الغوغائية والتطرف النّزق في تقييم الٱخر الحنوبي ، أو حكر صكوك الوطنية وحصرها على نطاقٍ أو جغرافيا ما وحسب ، بهذا الشكل لن تقوم لجنوبنا قائمة والله ، وما عشناه منذو 1967م حتى اليوم من تجارب مريرة وتناحرات وإنكسارات و و و ، كل هذا جعل دول جوارنا الإقليمي تنهض وتتجاوزنا بمسافات فلكية ، بل وبكوادرنا التي شرّدناها ، وكلنا يعرف هي كيف كانت من قبل ، وهذا يؤكد لنا هذا الأمر ، أليس كذلك ؟!

علي ثابت القضيبي .