فاروق يوسف يكتب:

من أجل أن يكون الحل يمنيا

كان من المتوقع أن يكون الحل الليبي ملهما لحلول تضع حدا للأزمات التي تتعرض لها غير دولة من دول المنطقة. لا لأن تلك الأزمات تشبه الأزمة الليبية فما من أزمة تشبه أخرى بل لأن هنالك إطارا عاما يجمع بين كل تلك الأزمات يمكن النظر من خلاله إلى كل أزمة على انفراد.
ولأن ما جرى ويجري الآن في ليبيا لم يكن حلا ليبيا خالصا بل هو خلاصة لتعاون دول وقوى اقليمية وعالمية حدث أن تلاقت وجهات نظرها عند الحد الذي صار لزاما على الليبيين أن يلتزموا به وأن ينهوا صراعا عبثيا لا يمكن بأي طريقة من الطرق أن ينتهي إلا وقد تهشمت كل أطرافه. هذا إذا افترضنا أن حربا أهلية يمكن أن تنتهي من غير تدخل خارجي. 


ولم يكن التدخل التركي لينهي ما بدأت به الميليشيات بل جاء هو الأخير ليزيد الأمور تعقيدا من خلال فرق المرتزقة التي ارسلتها تركيا إلى هناك لتحارب بالنيابة عنها وليثقل وجودها على جبهات القتال بتشتت أهدافه وعبثيتها. وربما لم يكن التدخل التركي سيئا بشكل شامل. فلولا ذلك التدخل الذي جر تركيا إلى منطقة شرق المتوسط لما استنهضت أوروبا قواها من أجل انهاء المشكلة الأساس التي قامت بسببها الخلافات بين تركيا واليونان ومن ورائها دول الاتحاد الاوروبي وبالأخص فرنسا وايطاليا اللتين كانتا دائما ناشطتين على مستوى الاهتمام بليبيا. المقصود هنا ثرواتها ومدى الخطر الذي تمثله على جيرانها وبالاخص مصر التي أظهرت حزما لعب دورا هو الآخر في تشجيع المجتمع الدولي على التدخل من أجل منع وقوع حرب غير مطلوبة. 


وهكذا فحين تدخل المجتمع الدولي بنوايا حسنة وقوة قرار في الأزمة الليبية شعر الليبيون أنهم إن لم يضعوا ثقتهم في الحل الذي تم وضعه على طاولتهم فقد ينتهون إلى هاوية ليس لها قرار. كان ذلك شعور كل الأطراف، المدنية منها والعسكرية. ما بدا واضحا من خلال المفاوضات التي وقعت في أماكن متفرقة أن صقور الحرب صار عليهم أن يتراجعوا وأن ليبيا لن تبدأ مرحلتها الجديدة التي هي مرحلة استقرار واستعادة اللحمة الوطنية التي ستحظى برعاية دولية ما لم تُحِلْ أمراء الحرب على التقاعد وتنهي عملهم. ذلك كان شرطا لكي تنهي ليبيا فصول حروبها لتستعيد كيانها دولة سوية يعترف بها المجتمع الدولي وتعترف باعرافه وقوانينه.     
ليبيا اليوم تسير على طريق السلامة بغض النظر عن الموقف التركي المراوغ. فتركيا في النهاية وتبعا لسياسة رجب الطيب اردوغان لن تجرؤ على العناد في أمر لا يتعلق بأمنها وسيادتها. لم يحدث ذلك لأن الليبيين أرادوا ذلك وقرروه بل حدث لأن المجتمع الدولي أراده وفرضه عليهم. ذلك ما كان متوقعا أن يقع في اليمن على الأقل إذا كانت سوريا قد دخلت في مضيق الصراع الروسي مع الغرب. 


اليمن كان هو الأقرب ليفرض المجتمع الدولي حلا عادلا لأزمته التي سلمت شعبه للمجاعة والضياع وسواهما من تجليات الانهيار الإنساني. فالحوثيون يخوضون حربا بالوكالة وهو ما يعني أن الحرب اليمنية هي ليست يمنية خالصة بل هي حرب اقليمية وما لا يمكن اغفاله هنا أن إيران التي صارت طرفا في تلك الحرب انما تستهدف عبر الواجهة الحوثية المصالح الغربية في المنطقة. ولا تخفي إيران مسؤوليتها عن إدامة واستمرار تلك الحرب فهي تعتبرها جزءا من حربها الدائمة ضد الغرب. 
سيُقال إن المجتمع الدولي شديد الاهتمام بالأزمة اليمنية. هناك مبعوث أممي ومبعوث أميركي ومباحثات فاشلة في مسقط وحراك على الجبهتين الإيرانية والسعودية. كل ذلك صحيح ولكن الحوثيين لا يتصرفون باعتبارهم يمنيين، يخشون على اليمن أن يذهب إلى الهاوية إذا ما تُرك لحربه من غير أن يلتفت المجتمع الدولي إليه. يتصرف الحوثيون باعتبارهم وكلاء لإيران في اليمن. ذلك ما لا يمكن التعامل معه بيسر. 


هل صار متعذرا أن تطبق الرؤية العالمية للحل الليبي على الحالة اليمنية بسبب التدخل الإيراني الذي لا يشبه التدخل التركي في ليبيا؟ شيء من ذلك القبيل يمكن أن يكون صحيحا. ولكن تلك العقدة يمكن تجاوزها من خلال التفاوض المباشر مع إيران. ذلك ما ترغب فيه إيران وتدفع الحوثيين إلى أن يكونوا خدمها من أجل تحقيقه. غير أن ذلك الحل لن يكون يمنيا. سوف لن يغفر اليمنيون للمجتمع الدولي أنه وضع بلدهم على الأجندة الإيرانية. 
يحتاج اليمنيون إلى موقف عالمي صارم في رفضه للتدخل الإيراني لكي يشعر الحوثيون بضعف حيلتهم وأن القوة المستعارة لن تفيدهم في شيء. لا بأس أن يُعاد الحوثيون إلى درجة الصفر لكي يشعروا أنهم يمنيون. 
ذلك هو ما هو مطلوب من أجل أن يكون الحل يمنيا.