د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (25).. عدن الفن
الفن في عدن:
أزدهر الفن في عدن ولحج وحضرموت من خلال راديو عدن الذي تأسس عام1954م وتسابق الشعراء والملحنون في تبني الأصوات الجميلة من الجنسين وراجت أغاني عدن المتأثرة بالألحان الهندية خاصة الفنان محمد جمعة خان ..ثم برز اللون الشعبي التراثي بصوت الفنان محمد مرشد ناجي وكذلك الفنان العدني الشهير أحمد بن أحمد قاسم الفنان المبدع إلى جانب العديد من المطربات الشابات .. ولكن كان الفن اللحجي هو الأكثر شهرة في الأوساط الشعبية الجنوبية وحظي بقبول حار وجماهيرية ساحقة ومن أِشهر الفنانين الشباب من لحج محمد صالح حمدون وعبد الكريم توفيق.
عدن ساحرة المدن :
عدن في الستينات كانت عروس المدن ونجمة البحار والمحيطات وابنة التاريخ .. عدن التي يتراكم نسيمها على هامات السحب ثم ينسكب باردا منعشا على قمم شمسان ومنها ينحدر حتى يلامس أمواج البحر التي تغسل شواطئه وتنعش مده في حركة أبدية لا تنقطع ...انها عدن التي تشم فيها عبق التاريخ والحضارة قبل أن تصلها وتتسلل إلى أنفك روائح الكاذي وعقود الفل اللحجية الناصعة البياض كقلوب أهلها الطيبين كل مساء ، عدن الحضارة التي أبى التاريخ أن يغادرها ولا زال محتبيا في فنائها و يجسد معالمها ، فهنا قلعة صيرة ما زالت متربعة على سنام جبالها وتطل على البحر ، وهناك صهاريجها المحفورة بين الصخور والشعاب تتجمع فيها المياه ، ومتاحفها، ومكتباتها، ومساجدها ومناراتها، ومبانيها العتيقة، تحكي لنا عن تاريخها الذي لا زال منقوشا على جدرانها يشهد على أمجادها ويأبى أن يفارقها !!
عدن التي لو تجولت فيها، وصعدت الى قمة جبل شمسان مساء لرأيتها كماسة تتوهج بأنوارها و ينبثق الضوء من ربوعها ويطوف بك من صيرة، إلى الصهاريج، وتشاهد في ذهول مآذنها ومناراتها وتتجسد أمامك في مينائها، وشوارعها الحديثة، ستذهلك عدن بمبانيها وبكل ما فيها وأنت تتأملها من قمة جبل شمسان !!
ومن غادر عدن حن لها ولا يقوى على فراقها ، فلقد غنى لها أبوبكر سالم ذات يوم، فقال: في شواطئ عدن حامت بقربي حمامة، ذوبتني، وخلتني أسير ابتسامة !!!
وأنت في عدن لا تنسى زيارة المعلا، وخورمكسر، والقلوعة، والتواهي، والشيخ عثمان، والمنصورة، والحسوة، والبريقة، كأنها عقد منظوم صاغه الخالق سبحانه وجعلها فتنة للناظرين ، ففي كريتر التاريخ، والحضارة يتعانقان، فهناك فوق الجبل تقع قلعة صيرة تحرس المدينة لا تغفو ولا تنام ، وعلى سفح الجبل يتمدد التاريخ في صهاريج الطويلة، ويترنم العشاق في ساحل أبين، الذي غنى له أحمد قاسم : يا ساحل أبين بنى العشاق بك معبد، انها عدن التي تعشقها القلوب والأسماع قبل أن تراها القلوب وتهفو لها، فيا طايرة طيري على بندر عدن، زاد الهوى، زاد النوى، زاد الشجن، وليلة في عدن خير من ألف ليلة، ربما يكون الشاعر والفنان بلفقيه مفتونان بعدن فسكبا لها أرق الأشعار وأعذب الألحان حتى يشعر من يسمع تلك الأغنية أنه يذوب وجدا وغراما وعشقا بعدن ، فالفن قد استوطنها والجمال قد تفتح في ربوعها وأبى أن يفارقها .
السياحة :
كانت عدن درة المدن وبلغت ذروة مجدها وازدهارها وتطورها العمراني الحضاري في الستينات من القرن الماضي وتعج أسواقها بشتى أنواع البضائع من الغرب والشرق ويرتادها المتسوقون والتجار والمقيمون فيها ومن شتى أنحاء المعمورة واكتسبت عدن شهرة عالمية بسبب مينائها الحر المفتوح الذي يمتاز بأسعاره الرخيصة جدا وجودة بضائعه وشاهدت السفن السياحية العملاقة في المعلا والتواهي وهي راسية في عرض البحر وينزل منها مئات السياح المسافرين من أوربا وهم في طريقهم إلى استراليا لشراء الأجهزة الالكترونية والملبوسات الجاهزة والأقمشة والصناعات والمشغولات المحلية بأرخص الأسعار .
نظام المواصلات :
تتميز عدن بنظام مواصلات جيد جدا في متناول كل طبقات المجتمع فهناك عدة شركات تؤمن الباصات بين أحياء عدن وعلى مدار الساعة منذ الصباح الباكر حتى منتصف الليل وتعتبر الارخص سعرا وخطوطها تغطي كل من : كريتر – المعلا – التواهي – خور مكسر –المنصورة – الشيخ عثمان – دار سعد - الحسوة – البريقا وغيرها من الضواحي القريبة ، وأجورها رمزية تتراوح مابين 4 عانات إلى شلن للضواحي البعيدة ، ويتولى قص التذاكر الكمساري من داخل الباص مباشرة وهناك سيارات التاكسي بالنفر تنقل الركاب بين الأماكن المذكورة أعلاه ولكن بسعر أغلى من الباصات !!
أشهر المطاعم في كريتر:
كما قرأت لرواد الصحف العدنية بدأت النهضة الضخمة الاقتصادية والعمرانية في عدن في بداية الخمسينيات ، وتدفقت الأموال والاستثمارات إلى بلادنا، وبدأت المطاعم الحديثة الراقية تفتح في عدن، مثل مطعم التركي، مطعم قصر الجزيرة، مطعم البحر الأحمر، مطعم دي لوكس في كريتر والشيخ عثمان !!
وكانت هناك مخا بيز عريقة تقدم الأكلات مثل : فته حاف، فته موز، فته تمر، فته عسل، خبز مُلوح، خبز رَطب، خبز رشوش، خبز طَرح، وحُلبه وبسباس مع الجُبن. واللحوم – لحم مرق ولحم حنيذ، إضافة إلى السمك – سمك موفى – كل أنواع الأسماك .. وخاصة الصيد – أي السمك الشعبي اللذيذ –
مقاهي عدن زمان :
من أقدم المقاهي بمدينة عدن مقهاية الحاج "شوكة الصومالي" التي كان موقعها في شارع الزعفران ومقهايتي "زكو" والغبري بشارع الميدان , مقهى "فارع" التي كان موقعها في شارع حسن علي ومن ثم تحولت إلى الزعفران في بداية الثمانينات بدلا عن مقهى شوكة الصومالي, ومقهى "الصومال" في المعلا , ومقهى "الدبعي" في التواهي ,ومقهى "الشجرة" في الشيخ عثمان وبعدها بالستينات ظهرت مقاهي عديدة مثل مقهى "سيلان" في شارع السبيل ومقهى "السكران" في شارع الشيخ عبد الله وعدد من مقاهي عدن التي ظهرت بعدها.
وتحتفظ مقاهي عدن القديمة برونقها وملامحها القديمة، فما تتناوله أيادي الرواد هو نفسه "الجودة الأصيلة" للشاي الذي لم يتغير على مر السنين، ولم يقتصر الأمر على كبار السن حالياً بتناول الشاي في المقاهي القديمة فحسب، أنما شمل الشباب الذين يلتقون لاحتساء شاي السكران والشجرة وغيرها!!
كما يفضل البعض تناول مشروب الثريب الحامض اللذيذ مع السكر خاصة في العصر أو ليالي الصيف الحارة .
د . علوي عمر بن فريد