د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حديث الذكريات (28) عدن درة المدن وقيثارة الأحلام !!

عدن يا درة المدن.. يا قيثارة الأحلام.. يا ربة الجمال.. وقبلة العشاق.. وصوت الشجن .. ولحن الوتر.. فيك تغنى الشعراء.. واليك رحل الفن واستقر  ولم يرحل عنك !!
 عدن يا عروس المدن  من شرفاتك تتدلى عقود الفل وأطواق الياسمين.. ومن نوافذك تتسلل رائحة البخور.. ومن قناديلك ينبثق الضوء.. ومن ضحكات أطفالك يشرق الأمل وتتفتح الأزهار.. عدن يا عروس البحر والسهل والجبل  .. يا ربة المجد والجمال   ورفيقة الملكات.. إليك طارت ملكة بريطانيا واختارتك دون سائر المدن في مستعمراتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس  وكانت زيارتها لك  في 27 ابريل عام 1954م ونزلت مع زوجها الأمير فيليب في فندق كريسنت بالتواهي في الغرفة رقم (121) بالدور الثاني  ويعد هذا الفندق أول  فندق شيد على مستوى الجزيرة العربية والخليج العربي . وقضت الملكة اليزابث  فيك  أجمل أيامها وذكرياتها.. عشقتك و اختارتك لتكوني شاهدة على حبها لك.. وشاهدة على من تحب.. قضت في ربوعك أجمل الذكريات في التواهي متنقلة بين  الشاطئ والجبل.. قضت فيك  أجمل أيامها  مع من تحب  ولست حكرا على  الملكات والملوك والأمراء بل تأوين البسطاء والفقراء والغرباء  هكذا أنت يا عدن مدينة للحب والسلام تحتضنين وتأوين كل مكروب.. لا تعرفين الحقد ولا الكراهية .. هادئة وادعة تستقبلين كل أجناس وأطياف وألوان وأديان ومذاهب كل البشر.. كنت مرفأ سلام تبحر إليه وتقلع منه كل  السفن تحمل البضائع من أرجاء العالم ... وتأوي إليك  كل الطيور والنوارس والحمائم والنسور وعندما  تقلع منك سرعان ما  تحن  وتعود شوقا إليك  ..كنت قبلة التجار والمغامرين والحالمين.. والطامحين والعشاق والسياح من الغرب إلى الشرق ، وعندما كانوا يعبرون قارات العالم من أمريكا إلى استراليا كنت سوقهم الأول  يشترون منك أنفس البضائع وأجودها  وأقلها سعرا !!
.كنت منارة الفن والطرب ..ويرحل إليك الفنانون والمبدعون، أحيا فيك الموسيقار فريد الأطرش أجمل الحفلات، وسكب لك أعذب الألحان.. وغنى لك وحدك أبو بكر سالم بلفقيه  : "ياطايره طيري على بندر عدن" وغنى لك ولبريدك: محمد سعد عبد الله: "صباح الخير من بدري".. وأحمد قاسم، ومحمد مرشد ناجي، وفيصل علوي والكثيرون.. افتتنوا بجمالك ودلالك، وصاغ لك الشعراء والأدباء.. قلائد الشعر مرصعة بالنجوم والأحلام.. عدن كنت درة مدن الجزيرة العربية والخليج .
ويوم خرج المستعمرون.. باعوك رخيصة في سوق النخاسة، تآمروا عليك وأنت فرحة بعرسك.. واستقلالك.. البحر يغسل شواطئك وأمواجه تتراقص تحت أقدامك..وجبالك تعانق السحاب بهاء وفخرا، نعمة صاغها الخالق لك وحدك، وتنسكب من شعابك  شلالات الصهاريج لتزيدك حسنا وجمالا، وذات يوم في أواخر الخريف وأنت تستقبلين الشتاء وأنت لا تعلمين أن الصفقة قد تمت.. وأن شرذمة من أبناء وطنك المراهقين   اختطفوك.. ومعك كل الجنوب.. وطاردوا أحرارك ،وفرسانك، وعلمائك، وشرفائك  وتجارك ونخبك العلمية والسياسية حاصروهم وقتلوهم ومن سلم منهم  قذفوا بهم خارج أسوارك  واستولوا على كل تاريخك وارثك الحضاري .. استولوا على مقاليد الأمور فوق ترابك.. ثم دمروك بصراعاتهم وهمجيتهم  وهم يتنازعون الحكم عليك!! غدر بك من أدعوا كذبا وزورا أنهم أبناؤك.. وتركوك تبكين أيامك الماضية.. حتى امتلأت صهاريجك دموعا وجدرانك رصاصا وبارودا.. وسالت دماء الأبرياء من أبنائك في الشوارع أنهارا.. وكلما أقبل الشتاء تبكين.. وتتألمين في يناير.. دموعك حبات المطر.. ونحيبك صوت الرعد.. وكلما عادت الذكرى تبكين.. حتى طال بكاؤك يا عدن..!!
لقد رحل عنك أحبابك وأنت تعلمين أنهم فارقوك قهرا وقسرا وتركوك وحدك تبكينهم.. وتبكين نفسك.. وكلما هطل المطر غزيرا في شتائك الحالم الجميل لم يغسل أحزانك.. ولم يغسل أحزاننا على فراقك..!!
د. علوي عمر بن فريد