د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حديث الذكريات (29).. عدن سليلة الملوك وابنة التاريخ !!

عدن  يا سليلة الملوك الذي سطر التاريخ   مجدك  ووضع غاره و إكليله وتاجه  على هامتك  المنتصبة فوق  جبل شمسان ،ثم  دار عليك الزمن الرديء.. وباعك سماسرة الشعارات الكاذبة من غير أهلك .. وظلوا يصرخون في الشوارع بالخطابات الثورية حتى بحت أصواتهم وهم يخاطبون أبنائك وكل الجنوب بمفردات ومصطلحات دخيلة  وثقافة غريبة لا يعرفونها ولا يفهمونها .. !!
لم نكن نعرف إلا لهجاتنا الدارجة البسيطة   ولغتنا العربية الفصحى ، التي كان ينسجها لنا النخبة المثقفة أمثال : الشاعر لطفي جعفر أمان .. والدكتور محمد عبده غانم.. والأستاذ المحامي محمد علي لقمان.. وباشراحيل.. وبازرعه.. وجهابذة الفكر والصحافة مثل :    أحمد شريف الرفاعي، محمد علي باشراحيل ، ورعيل من الأدباء والشعراء  كانوا يتغنون فيك شعرا ونثرا وعندما غدر بنا الزمان اتضح لنا أن استقلالنا لم يكن إلا وهما  وسرابا .. وسرعان ما اكتشفنا أنهم باعوك للغرباء والسماسرة وهم قوم دخلاء ،أغراب  وأجلاف بيض البشرة ، زرق العيون، شقر الشعر، جاءوا من أصقاع سيبيريا.. لم يجلبوا لنا غير السلاح والفودكا يدمرون بها كل فضيلة وحياة مستقيمة ويزهقون كل نفس بريئة  !!
لا توجد في قواميسهم كلمات التسامح، الرحمة، الشفقة، المحبة، ولا يعترفون بالقرآن والإنجيل وهم كفرة ملحدون. قتلوا العلماء في محاريب الصلاة ..وسحلوهم في الشوارع .. وطاردوا كل حر شريف من أبنائك ..ولديهم مفردات معاكسة لكل فضيلة مثل: الفساد، القتل، الإجرام، الرذيلة والفجور !!
وينشرون أدوات سقوطها معها لتدمير الإنسان  مثل: الخمر، والموبقات والنهب والسطو على ممتلكات الناس !!
جثموا عليك يا عدن.. أسقوك المر والعلقم، وأخرجوا صنائعهم وذيولهم من الرعاع والأوباش والأوغاد .. يرقصون ويطبلون في الساحات والشوارع ويرفعون شعارات الماركسية – البروليتاريا- الصراع الطبقي – واستباحوا أرواح الناس وأموالهم  و أعراضهم!!
ورافق تلك المسيرات الصاخبة  القتل بالرصاص و بالفؤوس التي كانوا يقطفون بها  الأعناق ويزهقون بها  الأرواح  البريئة   تطبيقا لفكر عرابيهم وأسيادهم الجدد!!
نشروا الفتن والرذائل، والحقد والموت والكراهية وحملوها معهم ونقلوها أينما حلوا. طاردوا الشرفاء والكفاءات وقتلوا شجعانك وفرسانك وأصحاب الرأي والفكر من أبنائك غيلة وغدرا  وتركوك يا عدن تنزفين وتبكين وتتألمين وأنت تشاهدين أبناء الجنوب يتساقطون كأوراق الخريف برصاص الغدر، ويذوون في السجون كما تذوي الزهور والزنابق ،ويشيخون وهم في عز الشباب من القهر والمعاناة تحت وطأة التعذيب .. في جبل حديد.. وسجن مربط ..والمنصورة  وتحولت بلادنا كلها من المهرة حتى باب المندب إلى سجن كبير!!
ويخرج السجانون ضحاياهم ليلا.. ويحصدون رؤوسهم بالفؤوس والرصاص.. ويخنقونهم بالحبال في الجبال والشعاب والآبار المهجورة وشواطئ بحر العرب ويتركون البعض منهم في العراء أما أغلبهم  يخفون  أجسادهم خوفا منها حتى لا تشهد على وحشيتهم وعمدا لنشر الرعب في نفوس المواطنين العزل في كل مكان!! اغتالوا قياداتك.. رؤساء نقاباتك  وخيرة شبابك .. أدواتهم الحقد والكراهية والتجسس على الناس في منازلهم يحصون أنفاسهم بواسطة جواسيسهم وكلابهم وقططهم... والأوغاد التابعين لهم..!!
رملوا نسائك يا عدن ..ويتموا أطفال الجنوب من المهرة حتى باب المندب.. هاجر السكان والنحل والطيور والحيوانات حتى الأفاعي والقوارض هاجرت !!
شاخت الأشجار وذوت حزنا عليك يا وطني العزيز .. وبكت الشموع وانطفأت المصابيح ..وخلت الساحات وجف الزرع والضرع .. وبقيت وحدك تنزفين وتنتحبين يا عدن وأنت تحاولين أن تخاطبي الزمان الذي عشت فيه أمجادك وأحلامك وتطلبين عودته و تبكين زمانك الذي ولى .. ولكن هيهات للزمان أن يعود ... لقد تخلى عنك الجميع وتشتت أبناؤك في أصقاع الأرض ..وبقيت وحيدة سجينة مكبلة أسيرة بقيود الذل والهوان.. تلتحفين هجير الحقد .. وتحرق جمالك نار الكراهية التي نشروا سمومها في كل شبر فيك !! وتحولت قراك ومدنك إلى مأوى للجن والأشباح وميناؤك الشهير إلى وكر للبوم والعناكب والغربان !!
د. علوي عمر بن فريد