د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (30).. عدن خلف الستار الحديدي !ّ!
أثناء حكم الرفاق في السبعينات فرض الحزب الماركسي عليك يا عدن وعلى سائر مدن الجنوب الستار الحديدي.. وتنصلوا من إرثك وتاريخك وأنكروا أنهم قد نهلوا من خيراتك وشربوا من مياهك العذبة .. ودرسوا في مدارسك ونهلوا من علومك .. و تمردوا عليك وتنكروا لقيمك وتعاليم ديننا الإسلامي السمحة كما تنكروا للوطنيين والأحرار من أبنائك ولسائر الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني. تنكروا لتاريخك وعلمائك وشرفائك وعاداتك وتقاليدك وقيمك النبيلة .. وجعلوا منك حقلا لتجاربهم ومغامراتهم السياسية تحت شعارات كاذبة وخادعة وتحت راياتهم الحمراء قتلوا أنبل الرجال .. واغتالوا أشجع الفرسان في كافة مدن الجنوب.. ولم ترو غليل حقدهم تلك الدماء البريئة فضربهم الله بسوط العذاب ، وجعل بأسهم بينهم يتقاتلون ويتناحرون ويتآمرون على رفاق الأمس منهم ..عندما غدروا ب (25) دبلوماسيا وفجروا طائرتهم في سماء حضرموت عام 1972م ثم ذبحوا رؤسائهم في عدن والمعلا..والتواهي .. قتلوا فيصل الشعبي وسالم ربيع وجاعم صالح وغيرهم من الوزراء والسفراء في سلسلة من عمليات القتل والانقلابات ، ومات قحطان في السجن ذليلا مهانا ثم دارت الدائرة عليهم واستمر الرفاق يعبثون ويقتلون ويفجرون.. أشعلوا في شوارعك الحرائق ياعدن وفي مبانيك ومعسكراتك الجحيم لتحصد آلاف الأرواح في مذبحة 13 يناير عام 1986م .. في أبشع حرب ..كان حصادها عشرة آلاف قتيل من كوادر الجنوب .. ولم يوفروا سلاحا إلا استخدموه في صراع القبائل الماركسية ولم يشبعوا من دماء أبناء الجنوب.. أحرقوا الزرع والضرع.. دمروا كل قيم التسامح التي تأسست ونهضت عليها يا عدن!! ولم يخلفوا ورائهم إلا الحزن والسواد وزرعوا راياته في كل بيت ولا زال بعض الناجين من أولئك المجرمين والقتلة ممن سلم منهم يطلون علينا اليوم في المناسبات ويتكلمون عن الوطنية ويتلون علينا المواعظ ويذرفون دموع التماسيح وهم يتطلعون إلى الحكم من جديد وتناسوا أنهم قد رملوك ياعدن مرات ومرات وفقدت وأنت في عز شبابك الأب.. والزوج.. والأخ.. والابن.. وفلذات الأكباد في حروبهم العبثية ، حروب داحس والغبراء، وجساس وكليب العصر حروب الطغاة مع البغاة والزمرة مع الطغمة الذين لا يعرفون إلا لغة الموت والدمار وكانت تلك الحروب مؤشرات لسقوط الوطن الجنوبي وضياعه !!
كساك الحزن والسواد.. تنكست أعلامك وأصبح الجنوب بأسره دار حزن ومأتم كبير !! عبر عشرات الألوف من أبنائك الحدود خارج أسوارك الحديدية.. إلى الخليج ..هاجروا إلى أوربا وأمريكا وكندا إلى مصر .. إلى أصقاع المعمورة. رأيتهم يجوبون الأرض يبحثون عن وطن .. ولا وطن ..ولازالوا في التيه حتى اليوم وكأنها حلت عليهم لعنة بني إسرائيل.
وكنت ضمن تلك الجموع ..رحلت من وطني وأنا دون العشرين.. وعندما عبرت الحدود خارج أسوار الوطن اغتالوا أبي ظلما وعدوانا مثل آلاف الرجال من أبناء الوطن .. فبكيت حتى تقرحت العيون.. ونزف قلبي دما من الحسرة والألم.. واكتوت ضلوعي بنار حقدهم وأصبحت يتيما شريدا طريدا في المهاجر..أبحث عن وطن ولا وطن..!! وقذفوا بأسرتي وأهلي وبني وطني على الحدود بالآلاف في العراء ، صادروا بيتي، مزرعتي، ذكرياتي..كل أحلامي في وطني..وهاجر الاف الشباب مثلي وعبروا الحدود يلاحقهم الموت والرصاص..!! لا فرق بيني وبين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم واستلب اليهود ديارهم وتاريخهم نفس السيناريو جرى معنا في الجنوب، الشيوعيون واليهود ..من نفس الطينة والجبلة، الفرق أن من طردونا وقتلونا يدعون أنهم مثلنا.. ومن قومنا وأشك في ذلك!!؟؟ هل تذكرين يا عدن.. هذا الصبي اليافع الذي عاش فيك، وأحبك، وتجول في ربوعك!! انه أحد أبنائك ابن الجنوب.. هذا الصغير الذي نشأ في مدينة الصعيد بالعوالق.. ودرس القرآن في المعلامة على أيدي شيوخ أفاضل درسوا العلم في حضرموت.. وتعلم الصبي منهم معاني الوفاء والصدق وتعلم الشجاعة من شموخ كور العوالق ورجاله البواسل، ودرس في أبين على أيدي أساتذة أفاضل.. علموه الأدب والشعر والتاريخ وأخضر قلبه بالمحبة والتسامح كحقول أبين الخضراء وتدفق قلبه بالعطاء والولاء والوفاء للوطن كسيول كور العوالق وأودية ضراء وضيقه وحسان وتبن، التي تحمل الخير للبلاد والعباد ..ومع إشراقة كل صباح علمنا أساتذة مخلصون قيم التسامح ونبذ الحقد والكراهية علمونا حب الوطن وكيف نشدو ونردد كل صباح و معي المئات من أبناء جيلي هذا النشيد :
" نحن الشباب لنا الغد ومجده المخلد.. نحن الشباب " وضاع الأمس ولم نعثر على اليوم ولا على الغد المنشود ..نعم لا زلنا نبحث عن الوطن المختطف وسط دخان ولهيب المعارك والحرائق، التي شبها الطغاة والمجرمون من أبناءه ولا زالت مشتعلة ولم يخبو أوارها حتى اليوم !!
د. علوي عمر بن فريد