صالح القلاب يكتب:
العرب وإيران والمسيرة العسيرة والتأوهات السياسية!
إنْ لم يكنْ هذا من قبيل تبادلِ الأدوار بين وزير الخارجية الإيراني وبين أصحاب القرارات الفعلية في طهران وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي، فإنّ المحتمل أن محمد جواد ظريف سيدفع الثمن غالياً بعد انكشاف الترتيب للقاء سري كان سيجمعه بالرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب ومن وراء ظهر الولي الفقيه ومن دون أي تنسيق مسبق مع أي من القيادات الإيرانية العليا بالنسبة لهذه الأمور التي تعتبر في طهران مرفوضة وخطيرة.
المهم، وبغضِّ النظر عن الترتيبات للقاء وزير الخارجية الإيراني بالرئيس الأميركي السابق وعمّا إذا كان بعلم ومعرفة وتشجيع خامنئي وغيره من أصحاب القرارات الحاسمة في طهران أمْ من وراء ظهورهم، كما يقال، وهذا مستبعدٌ جداً، فإنَّ الواضح أنّ جواد ظريف لم يعد مقبولاً، بما فيه الكفاية، لا من قبل المرشد ولا من قبل أصحاب القرارات الحاسمة في هذا البلد الذي هناك من يقول: إنه قد أصبح في مهبِّ رياحٍ عاتية، وهذا ينطبق أيضاً على الرئيس حسن روحاني الذي هناك اعتقاد بأنه بات في سباقٍ فعلي مع أيامه الأخيرة!
وعليه، فإنّ ما يذهب إليه كثيرون، إنْ في إيران وإنْ في خارجها، هو أنّ «مشوار» محمد جواد ظريف قد اقترب من نهايته وأنه قد أصبح في وادٍ مظلمٍ بينما أصحاب القرارات الحقيقية والفعلية في وادٍ آخر، والواضح أنّ هؤلاء ماضون في السير على الطريق الذي كان قد سار عليه آية الله الخميني، والذي كان قد انتهى من دون أي إنجازات حقيقية وفعلية اللهم باستثناء حرب الأعوام الثمانية مع العراق التي كانت بالنسبة للإيرانيين حرباً مكلفة ومأساوية.
وهنا، فإنه لا بد من التأكيد على أنّ من راهن من العرب على هذا النظام في البدايات، وهم كثر وبعضهم من أصحاب التوجهات «اليسارية» والقومية، قد خابت ظنونهم وأنّ حتى حركة «مجاهدين خلق» المعارضة من المعروف أنها ما لبثت أنْ عادت إلى «معارضتها» وأنّ التابعين لدولة الولي الفقيه باتوا يقتصرون على المصابين بداء «الطائفية» إنْ كانوا إيرانيين وإن كانوا عرباً وإنّ كان في طليعة هؤلاء بعض العراقيين الذين أداروا ظهورهم لأمتهم العربية ومعهم بالطبع «حوثيو» اليمن الذي لم يعد سعيداً بوجودهم وأيضاً وجمهورية ضاحية بيروت الجنوبية التي باتت تسيطر على لبنان كله بقيادة حسن نصر الله.
ويضاف إلى هؤلاء كلهم نظام بشار الأسد الذي بات يقتصر وجوده على دمشق وعلى بعض ضواحيها والذي هرباً من وصفه بالطائفية والمذهبية وبالتبعية لدولة الولي الفقيه لا يزال يرفع شعار «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة» وهو الشعار الذي كان تمسك به والده حافظ الأسد بعد انقلابه على رفاقه في عام 1970 «وأودعهم» زنازين سجن المزّة الشهير؛ وذلك ليتجنّب اتهامه بالمذهبية التي كانت رافقته منذ أن كان ضابطاً صغيراً وإلى أن أصبح رئيساً للجمهورية.
وعليه، وعودٌ على بدءٍ، كما يقال، فإنه إنْ لم يكن وزير خارجية إيران جواد ظريف هذا مكلفاً بمهمة كل هذا «التقرب» من العرب والعروبة، وحقيقة إنّ هذا مستبعد جداً فإنه سيدفع الثمن غالياً وخلال فترة قريبة وعلى أساس أنه يسير في اتجاه معاكسٍ لما يسير عليه الولي الفقيه وكل من يعتبرون أنفسهم بأنهم الأقرب إليه، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك من يعتقدون أن هؤلاء ليس من بينهم حسن روحاني الذي أغلب الظن أن أيامه خارج هذه المجموعة باتت مؤكدة وقريبة.
والمفترض هنا أنه إذا كانت مواقف ظريف هذه فعلية وحقيقية فإنه لا بد من أن يكون هناك التفاف حوله وتأييد له من قِبل المعارضة الإيرانية، ومن قِبل «مجاهدين خلق» تحديداً، وأيضاً من قبل العرب الذين يهمهم أن تكون إيران دولة شقيقة يجمعهم بها هذا الدين الحنيف وهذا التاريخ الطويل وهذا الجوار الذي لا مفر منه، ويقيناً هنا أنّ هناك إيرانيين كُثراً إنْ من الأقليات وإنْ من أبناء القومية الفارسية يريدون جواراً حسناً مع الأمة العربية وبكل دولها ويريدون نهاية لكلِّ هذا الصراع التاريخي الذي لا ضرورة له وعلى الإطلاق، وبخاصة في هذه المرحلة التي تمرُّ بها هذه المنطقة وتمرُّ بها معظم الدول العربية.
والمشكلة، هنا التي يجب مصارحة الإيرانيين بها، هي أنّ هذا النظام الإيراني الذي بعد حرب الأعوام الثمانية مع العراق، التي كانت هزيمته فيها مدمرة بالفعل، قد لجأ إلى أسلوب الاختراقات العسكرية المسلحة في العديد من الدول العربية وكما هو واقع الحال في بلاد الرافدين وفي سوريا وأيضاً في لبنان واليمن والمعروف هنا، وهذا ما يقوله معظم العراقيين، أنّ هذه الدولة العربية باتت محتلة من قبل إيران وإنّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد بادر إلى مواجهة هذا التحدّي بكل شجاعة وبالتفاف غالبية العراقيين حوله، وهذا يتطلب أنْ يكون هناك دعم عربي له، وبالطبع ليس بالجيوش ولا بالسلاح، وإنما بالمواقف السياسية وبالعلاقات الأخوية والوسائل الاقتصادية.
ثم، وإنّ ما يجب أن تدركه إيران هو أنه لا ضرورة لكلِّ هذا التدخل في الشؤون العربية وإنّ العراق لا يمكن إلّا أن يكون دولة عربية، وهذا ينطبق على سوريا «قلب العروبة النابض» وعلى اليمن وأيضاً على لبنان، وهكذا فإنّ كل هذه «الاختراقات» الإيرانية لا يمكن أن تستمر وإنّ الشيعة العرب لا يمكن أن يتخلوّا عن عروبتهم وإنّ كل هذه التطورات التي تشهدها بلاد الرافدين في هذه المرحلة الخطيرة تؤكد هذا، وحيث إن العربي سيبقى عربياً ومع الاحترام والتقدير للمذهب الشيعي والأخذ بعين الاعتبار أننا شعب واحد وأمة واحدة.
ولعلَّ ما يجب أن يعلنَ ويقال في هذا المجال هو أننا لم نسمع رداً إيجابياً لا من قبل الحكومة الإيرانية ولا من قبل المرشد علي خامنئي على دعوة المملكة العربية السعودية الصادقة فعلاً لفتح صفحة جديدة بين العرب وإيران ونسيان هذا الماضي القريب والبعيد وبكل ما فيه وما هو عليه وحقيقة أنّ ما يدلُّ على أنّ هذا البلد الذي من المفترض أنه دولة شقيقة مُصرٌّ على مواصلة سياساته الحالية حيث إنّ الردَّ الإيجابي الوحيد على مبادرة ولي العهد السعودي لم يصدر إلا عن وزير الخارجية الإيراني الذي له كل التقدير والاحترام، والذي هناك تأكيدات فعلية بأنه يشكو مرّ الشكوى من أنه بات معزولاً، وأنه لا يمارس مهامه الفعلية.
وهكذا، وفي النهاية، فإنّ الواضح لا بل المؤكّد أنه لن يكون هناك تغيير في هذه المواقف والسياسات الإيرانية الحالية تجاه العرب ما دام أن هذا النظام الإيراني، نظام الولي الفقيه، قائماً ومستمراً، والمعروف هنا أنّ آية الله الخميني لم يُقدِّر أنّ العراق العربي قد احتضنه، بعد طرده من بلده إيران، ولسنواتٍ طويلة وأنه بمجرد انتصار ثورته، ثورة عام 1979، قد رفع راية الحرب على بلاد الرافدين وعلى الدول العربية بمعظمها وإنه قد ردَّ على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار)، الذي كان أول الواصلين إلى طهران بعد ثورتها، عندما «فاتحه» بضرورة التخلّي عن الجزر العربية، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي كانت احتلتها إيران في الفترة الشاهنشاهية بقوله: إن هذه الجزر إيرانية وهي ستبقى إيرانية وإلى الأبد والواضح أنّ هذا سيبقى متواصلاً ومستمراً إن لم يزل هذا النظام ويحل محله نظام «عقلاني» يمثل الشعب الإيراني بكل فئاته القومية وبكل انتماءاته الطائفية.