ماجد الداعري يكتب:
لاخير فينا اذا لم نستعيد شقة جميلة جميل
مازلت أتذكر جيدا، صورتها وملامحها المرهقة جدا وهي تحاول ارضاء أحد أطفالها بشراء لعبة له أمام بسطة في التواهي،ظهر صيف عدني ساخن عام ٢٠١٣م،حيث انهت على مايبدو حينها، فترة نوبتها بتلفزيون عدن، وخرجت من مبناه لإعادة أولادها معها من مدرسة أظنها قريبة من المكان، حيث كانت ملابسهما و حقيبة دفاتر،على ما اعتقد فوق ظهر أحدهما وكأنه عائد من المدرسة..
كان الحر شديدا وهي تسير ممسكة بطفليها، من أمام حديقة فيكتوريا مرورا بايسكريم التواهي وأنا أسير مترجلا في الخلف، أسأل نفسي:هل هي أم.. لا، حيث كنت استأجر منزلا جوار كنيسة رأس مربط وأفضل السير كنوع من الرياضة كلما فكرت بزيارة السوق لجلب بعض احتياجات المنزل او شراء قات وصحف وغيرهما.
مع وصولي إلى كشك الصحف بفررة فتح وتوقفها لشراء لعبة على ما اظن لأحد أطفالها، تأكدت أنها هي فعلا، رغم آثار إرهاق وتصبب خطوط من العرق على وجهها، نتيجة شدة الحر، وهو ما اعتقد، قد دفعها للجلوس على الرصيف في محاولة منها لاسترداد أنفاسها اوتنفس الصعداء من المشي والحر، قبل ان تشرد مع أفكارها وهي تغسل العمارات المواجهة لها بنظرات حائرة كمن يودع مدينة غزيرة عليه يدرك أنه لن يعود إليها مرة أخرى أو أن حربا بشعة تنتظرها من جديد،بينما انا اراقب المشهد بصمت من أمام كشك الصحف القريب منها..
طبعا هي لا تعرفني..وليس من عادتي التحدث مع أي زميلة بالشارع حتى لو كنت اعرفها وأفضل أن أحاول تجاهل رؤيتها.. لكن فضولي الصحفي ضغط علي بقوة كي اذهب واسألها عن حالها.. نعم والله.. هكذا فكرت أكثر من مرة،، لكني ترددت ولم أتجرأ حتى على إلقاء التحية عليها بينما مررت أمامها رغم أنها شخصية تلفزيونية معروفة وهناك الكثير يلقون التحية عليها بالشارع، غيري انا، لاني رجحت سيناريو ان موقفي سيكون حشري لا يعجبها وقد ترد بنفسية تنكرية.. من انت.. وايش عليك تسأل عن حالي.. هكذا تصورت ردها.. وحاولت تخيل كيف سيكون موقفي أمامها وهي تقذفني بهكذا حجارة من سجيل واقعها النفسي مع الحر وطلبات أطفالها وازعاجهما من حولها!
لتكون هذه اللحظات.. آخر مرة رأيت فيها زميلتنا الإعلامية الراحلة #جميلة_جميل، رحمة الله تغشاها، قبل ان تعتصد البلاد وتدخل في دوامة أزمة الصراع السياسي وتأتي جولة الحرب العدوانية الحوثيعفاشية الجديدة على عدن، ويسقط تلفزيونها العتيق مع سقوط مديرية التواهي بعد استشهاد اللواء الركن علي هادي،قائد المنطقة وملهم تلك المعركة الوطنية الخالدة في ذاكرة الجنوب.
انطلقت بعدها، معركة عاصفة الحزم، بقيادة السعودية وتحالف عربي من ١٨ دولة لإعادة الشرعية وكبح جماح الاطماع الحوثية الفارسية باليمن وتأمين الجارة الكبرى من خطر سيطرتها الإيرانية على الدولة اليمنية ومقدراتها العسكرية، وكان من ثمارها إعادة بث تلفزيوني اليمن وعدن من الرياض، بعد استدعاء انتقائي قبيح لمجموعة من الاعلامين والعاملين بتلفزيون عدن، ممن لديهم صلة برئاسة وحكومة المنفى او علاقة برئيس قطاع القناة ومسؤولي الوزارة ممن سبقوا الجميع بالهروب إلى الرياض والقاهرة واسطنبول وابوظبي، لتسفر تلك الفعلية الاقصائية القبيحة، عن أكبر حالة تذمر واستياء لدى الكثير من الكوادر الإعلامية وخاصة المشهود لها بالكفاءة والقدرات النوعية في تلفزيون عدن ومنهم الراحلة الجميلة جميل جميل رحمة الله عليها، والتي لم تجد اي طريقة لاقناع مسؤولي القناة بالرياض او رئاسة الشرعية، بضرورة التحاقها بطاقم القناة في الرياض،قبل ان تضطر إلى الهجرة القسرية نحو صنعاء والقبول بعرض الحوثيين لها بالعمل معهم في قناة عدن التي سبق أن سيطروا اوتقرصنوا على بثها عشية، أول خطاب عودة للرئيس هادي، بعد تمكنه من الهروب المثير للجدل من قبضة إقامته الجبرية بمنزله في شارع الستين بصنعاء، عقب أيام على إعلانه الاستقالة من منصبه، خلفا لرئيس حكومته خالد بحاح، المحاصر يومها بالقصر الرئاسي بالسبعين.
وصلت المرحومة جميلة، إلى صنعاء مكرهة، بفعل سوء واقعها المعيشي كاعلامية أكاديمية تجيد أكثر من لغة واصبحت فجأة عاطلة عن العمل وبدون أي دخل مالي، يضمن لها القدرة على إعالة ٣ أطفال لها ولدين وبنت، بعد ان تنكر لها جميع المسؤولين عليها بالقناة ورفض الجميع برئاسة وحكومة الشرعية، التجاوب معها، وتلبية رغبتها في الحاقها بطاقم قناتها المهاجرة بالرياض كما اتضح ذلك من خلال التسجيل الصوتي المسرب لمكالمة هاتفية للسفير محمد مارم الذي كان يومها مدير مكتب الرئيس هادي، وحاول تجاهل كل ماتعانيه ومحاولاتها المتكررة التواصل معه دون ان يرد عليها كما قالت مستغربة من اتصاله لها وهو الذي يرفض التجاوب مع اتصالاتها، قبل ان تجدها فرصة لتنفس عن بعض كربة قهرها منه وشرعيته التي قالت إنها باعت بلد ومن باع بلده ليس غريبا عليه أن يبيع اي حاجة أخرى، بينما كان هو يحاول تصوير نفسه بأنه مستغرب تارة وساخرا تارة أخرى،مما تقول له بقهر، حول تعرضها لتهديدات بالقتل من قبل القاعدة، وهو وغيره من مسؤولي الشرعية ماهم سائلين ولا حتى متنازلين للسماع لشكواها قبل ان تضطر للفرار بجلدها إلى صنعاء والعمل الإعلامي الاضطراري مع الحوثيين هناك بقناتهم المسماه عدن، لضمان توفير سبل عيش لها وأطفالها الثلاثة، خاصة بعد ان رفضت حكومة الشرعية حتى الوقوف معها بعدن في استعادة شقتها من الخليفي كما جاء في تسجيل المكالمة المسربة بينها ومارم.
ليتفاجأ بعدها الوسط الإعلامي بخبر وفاتها المفاجئ في منزل إقامتها بصنعاء، ودفنها هناك، بعد ان رحلت إلى ربها، بقهرها ومرارة ماعانته من ظلم واقصاء وتهميش، رحلت من الدنيا في يوم حزين جدا على الوسط الإعلامي اليمني والجنوبي بشكل خاص، وكل من يعرف بقصة نزوحها الاضطراري إلى صنعاء، وخلفية ماعانته من وضع صعب بعدن، بعد ان أصبحت بدون عمل ودخل مالي، للصرف على نفسها وأطفالها الثلاثة الذين تركتهم أيتام الاب والأم بعدها بصنعاء، دون احد يعولهم هناك او يصرف عليهم اوحتى يتكفل باعادتهم إلى عدن، للعيش بمنزل اي قريب لهم، وهو ما اضطرهم فيما بعد إلى اللجوء لدار أيتام هناك وتجرع كل مرارة الجوع واليتم والفقد والحرمان، بعد امهم، حتى آفاق كبيرهم على حقيقة مرة، دفعتهم للعودة إلى عدن قبل أيام، على أمل استعادة شقة أمهم في انماء التي أجرتها للخليفي المستولي عليها اليوم والمدعي أنه اشتراها منها ودفع سبعة آلاف دولار لامهم من قيمتها، ولا يمكنه مغادرة الشقة الا بإعادة المبلغ الذي لا يوجد لديه اي سند قبض او استلام منها، أو مايثبت صحة ادعائه هذا خاصة والمرحومة سبق واتهمته بالاستيلاء على الشقة وهو الأمر الذي يستدعي الجميع اليوم بعدن إلى مناصرة أولادها والوقوف معهم بكل الطرق والاساليب والوسائل المختلفة لاعادتهم إلى شقة امهم، وفق الوثائق التي لديهم والعقود التي تثبت ملكيتها لأمهم المرحومة، وضرووة إلزام المستولي عليها باثبات صحة ادعائه بأي وسيلة إثبات منطقية او مقنعة بتسليمها اي مبلغ من قيمة الشقة، ودفع إيجار السنوات الست التي قضاها فيها إلى اليوم دون قيد او شرط، باعتباره استقوى على امرأة،،وأخذ شقتها بالقوة والبلطجة وتجاوز كل الأخلاق والاعراف والقيم في تصرفه الفاضح هذا الذي يستدعي العقاب الرادع له وكل من تسول له نفسه تكرار الفعلة المخجلة.
َوتأكدوا بأن لا خير فينا واعلامنا وأصواتنا، ولا أمل بانصافنا في جنوبنا ومن قيادتنا، إذا لم نعيد هذا الحق الناصع إلى أهله ويسكن أطفال المرحومة في منزل امهم بأقرب وقت ممن بدلا من تركهم عرضة لمخاطر الحياة وذئابها، في ظل عدم وجود منزل يأويهم اليوم بعدن.
#أولاد_المرحومة_جميلة_جميل_في_اعناقنا_جميعا
#معا_لاعادة_منزل_جميلة_جميل_لأولادها
#ماجد_الداعري