مشاري الذايدي يكتب:

هل يجوز «التنبيش» في تاريخك على «تويتر» مثلاً؟

اسمه كاماو بوب، وظيفته رئيس قسم التنوع في شركة «غوغل»، عملاق الإنترنت، مشكلته أنه كتب منشوراً جديداً علّق به على أحداث الصراع الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تحت عنوان «لو كنت يهودياً»، ومما قاله في المنشور الجديد، أن «الشعب اليهودي لديه شهية نهمة للقتل». «غوغل» أعلنت إبعاد الرجل عن منصبه، ولست أدري هل عن المنصب فقط، أم عن الشركة كلها، وطالبته بالاعتذار، فاعتذر. وتم التذكير بمنشور قديم له (2007) يحمل نفس المعاني.
كل هذا على ذمة «نيويورك بوست» الأميركية و«بي بي سي» البريطانية.
قد يكون الخبر لهذا الحدّ غير مثير، بالنسبة لي على الأقل، لكن الذي أريد التأمل فيه، ليس الجدل حول السامية وكراهية السامية، والحق الفلسطيني وهجاء أو مديح اليهود، بالجملة هكذا، ففي تقديري المتواضع، كل مديح أو ذمّ بالجملة، لشعب أو جماعة بشرية، ضرب من الحمق العقلي، والانحدار الأخلاقي، والخبل السياسي.
السؤال القانوني والسياسي والأخلاقي الكبير، هل يجوز محاسبة إنسان على كلام ومواقف له قبل سنين، مفصحاً عن رأيه في قضية ما، على منصات «السوشيال ميديا»؟

أنقل الحديث عن المثال الغربي السابق، للحالة العربية، فقد لاحظنا منذ بعض الوقت نشر أراشيف وتعليقات عمرها ربما جاوز الـ10 سنوات للوراء، مؤيدة لـ«الإخوان المسلمين» ومحمد مرسي وجماعة رابعة وإردوغان وغيرهم من رموز «الإخوان»، ومبشّرة بالربيع العربي في أعوام 2010 إلى 2014 تقريباً، ويتم إعادة نشر هذه التعليقات والتغريدات والبوستات والمقالات ومقاطع اليوتيوب، وغيرها من الوسائط، للقول؛ انظروا مواقف فلان أو علّان العدوانية الخائنة، كيف يترك هذا الشخص بل كيف يمكّن من المنصب الفلاني والبرنامج كذا أو المشروع كذا؟
الحال، أننا هنا أمام جوابين؛ الأول مهمل متراخٍ، هذا أقل وصف له، والجواب الآخر مغالٍ ظالم... كيف ذلك؟
لا يجوز القول، يجب إهمال كل التعليقات والمواقف السابقة، لمجرد كونها سابقة، كما أنه لا يجوز محاسبة المرء على مواقف قد غيّرها وبدّل رأيه فيها، وعبّر عن تحوّله حقيقة وشعوراً وعملاً، منذ سنوات، وليس لمجرد ركوب الموجة.
بمعنى فتى كان عمره أثناء الربيع العربي في بداية العشرينات أو قبلها، وليس منتمياً - حالياً - لجماعة «الإخوان» أو حلفاء «الإخوان» من اليسار الثوري مثلاً، تقدّم به العمر، ونضج، فتحوّل، هذا ينطبق عليه حقاً؛ عفا الله عما سلف، و«عجب الله لشابّ ليست له صبوة». وملاحقة بعض الناس، ومنهم جهات رسمية، لمثل هؤلاء، ظلم وحيف.
لكن في المقابل، شخص نعلم أنه منتمٍ - وما زال - لهذا الخطّ الفكري والسياسي، جلّ ما يفعله اليوم، هو المناورة، وإحناء الرأس للعاصفة، ومحاولة تقديم نفسه بحلّة جديدة، من باب التذاكي والتلاعب، حتى تحين الفرصة مجدداً، لإظهار المكبوت، فهذا لا يقال إن الكشف عنه وعن تاريخه، مجرد «تنبيش» ومكارثية، لا، بل إهمال هؤلاء هو عين الإهمال... ولست أقول أكثر من هذا.
لا يستويان، والعدل فضيلة، والإهمال رذيلة.