فيصل الصوفي يكتب:
جرائم غير معهودة في القبيطة
ما نعرفه الآن، أن القبيطة لم تشاهد طوال السنوات التي سبقت هذه سوى جريمتي قتل: الأولى، في قرية المرابحة، وكان ذلك في العام 1974 تقريباً، حيث قام شاب مصروع بمداهمة امرأة وبناتها وهن نيام وقطع أوصالهن بفأسه، وهذا قد حوكم وأعدم. الثانية، نفذها شاب أبله قبل عقد ونيف من الآن تقريباً.. أوهمته زوجته أن أباه قد كسب مالاً كثيراً خلال عقود، وينبغي أن يكون المال من نصيبه وحده.. زودته ببندقية كانت لأهلها، فتسلل ليلاً وأطلق رصاصة من نافذة الغرفة التي كان أبوه راقداً فيها، فأرده. وهذا حوكم، ولسنا على يقين أنه قد أعدم.
أما القبيطة اليوم -وقت الحرب- فقد اختلف الأمر فيها.. حصل رجال وشباب على أسلحة بالمجان، وباتوا يستخدمونها لأتفه الأسباب، كما في حالة رضوان سعيد الذي قتل سبعة رجال ونساء وأطفال بقرية الجوازعة القريبة من طور الباحة، والأقرب إلى المفاليس.. مشاجرة عابرة بين أطفاله وأطفال الجيران يوم الأربعاء الماضي (16 يونيو) كانت كافية لدفعه لقتل كل تلك الأنفس البريئة، كان من بينها ثلاث نساء نعرف آباءهن، وهن من قرية الرزوق تزوجهن شبان من الجوازعة قبل سنوات قليلة.
ظروف الحرب تعقد الوصول إلى القتلة أيضاً، فقد نفذ رضوان جريمته المزلزلة تلك وفر إلى جبل كما قيل، والأرجح أنه قد ذهب إلى الحوثيين يحتمي بهم، إذ يكفيه تجاوز المفاليس، وسوف يجدهم في ظبي أو حارات بالأعبوس، أو في الخزجة أو الأحكومة.
قبل القاتل رضوان هذا، قتل أحد المهمشين في قرية عيريم امرأة ورجلاً من بني جلدته، وعاد إلى المجموعة المقاومة التي يشترك فيها.
لهذه الحرب التي لم تضع أوزارها، أوزار جمة.. هي لم توفر الأسلحة إلى أيدي مئات الألوف من الناس فحسب، بل جعلت اليمنيين –خلال السنوات الست الأخيرة- عرضة للإصابة بعلل مثل الاكتئاب والقلق والاضطراب النفسي والعقلي، وهذه الجرائم التي وقعت في الجوازعة أو في عيريم، لم ينفذها مجرم وهو بعيد عن تأثير تلك الآفات، أو تأثير واحدة منها على الأقل.
على أن قولنا لا يتضمن أي إشارة إلى تخفيف مسئولية القاتل عن جريمة القتل التي ارتكبها، وإنما أردنا الإشارة إلى التأثير الخطير لهذه الحرب، والذي سوف يستمر إلى أجل بعيد بعد نهايتها.. ففي ظلها وصل بعض أرباب العائلات إلى حافة الجنون، نتيجة البطالة وقلة فرص العيش الكريم.. وسوف نشاهد كثيراً من الأمراض والجرائم في المستقبل، وعلينا أن نتساءل منذ الآن: ماذا بعد أن يعود المقاتلون من الجبهات إلى قراهم وعائلاتهم، ويعود النازحون إلى ديارهم، ويخرج المعتقلون من السجون، ويصبح الأسرى أحراراً، فكل هؤلاء مرضى حرب، وماذا عن الأطفال الذين ظلوا طوال الوقت عرضة للصدمات النفسية؟
بقي لنا في القبيطة قليل من الكلام المهم، وهو أن طياري التحالف العربي لدعم الرئيس هادي ارتكبوا -من جانبهم- جرائم في قرى هذه المديرية.. وهم إما ارتكبوها عمداً، وإما أوقعهم فيها مزودو خدمة الإحداثيات.. لكن كيف ما كان الأمر، فإن التحالف العربي لم يحقق بعد في واحدة من تلك الجرائم، ولم نسمع أنه دفع تعويضات لعائلات الضحايا، وكاتب هذه السطور مطلع على تفاصيل ثلاث هجمات جوية قتلت رجالاً ونساءً وأطفالاً أبرياء: يوم 17 مايو 2015 مزق صاروخ وأحرق أجساد 11 قباطياً، من بينهم ثلاثة من عائلة في قرية لصيقة بقريتنا.. حدث ذلك عندما توقفوا عند محطة للحصول على وقود لسياراتهم، بعد خروجهم من مدينة الراهدة التي قدموا إليها من القرى للتسوق.. ويوم 11مارس 2016 قصفت طائرة داراً في ظمران وأهلكت عائلة بريئة.. وليلة21 يونيو 2016، هلك 11 عامل بناء قرويين، كانوا يشيدون منزلاً جديداً في قرية الكعبين، أغارت عليهم الطائرة بعد تناول العشاء الرمضاني الأخير.